عادل علي جودة
لا أعجبُ ممن يُنهكُها الظمأُ لترويَ مَن حولها، ويُعجزُها الجوعُ لتطعمَهم، ويَحرقُها السهادُ لتطفئَ نارَ حيرتهم، وتخلعُ عنها لباسَ الراحةِ لترعاهم بحبها وحنانها وعطفها.
بل لا مجالَ للعجب؛ فهكذا دومًا هي الأم؛ تستمدُّ قوتَها من أنوثتِها، فهي امرأةٌ؛ لا تخشى على بستانِ صبرِها من العجز، ولا على أنهارِ إصرارِها من الجفاف، ولا على وخزِ أقدامِها من تعبِ الطريق.
إنما العجب يكمن فيكَ أنت يا آدم، يا من حطمت السلام، وأربكت الأمان، وأنكرت الجمال، وعطلت الحنان، ولست أدري كيف يغمض لك جفن ويهدأ لك بال.
فيا له من وجع أصاب قلبي حينما قالت تلك السيدة: «أحمل من الهم ما تنوء بحمله الجبال». قلت: هوّني عليك سيدتي. قالت: «زوجي لا يحترمني، بل يزدريني ويضربني». حينئذٍ انتفض خفقان قلبي، واهتزت جوارحي، كما لو أن سخطًا حل بكياني، فصرخت من داخلي»؛ «إليك آدم»:
مَا لَكَ لَا تُحْسِنُ الْإِدْرَاكَ مَا أَجْهَلَكْ
مَا بِكَ لَا تَشْكُرُ النَّعْمَاءَ مَا أَتْعَسَكْ
هَذَا الْحَنَانُ أَمَانٌ عِشْ بِهِ هَانِئًا
وَكُنْ لَهُ بَاسِمًا وَاحْضُنْ بِهِ جَنَّتَكْ
وَذَا الْعَطَاءُ سَخَاءٌ جُدْ لَهُ بِالرَّخَا
وَذَا الْوِئَامُ اقْتِرَابٌ مِنْكَ كَيْ يَحْضُنَكْ
حَوَّاءُ دُنْيَاكَ فَاسْكُنْهَا بِسَمْتِ الرَّجَا
إِذْ لَا يَلِيقُ بِهَا مَقْتٌ وَلَا مُعْتَرَكْ
فَانْظُرْ لِسُهْدٍ تُلَاقِيهِ بِكُلِّ الرِّضَا
بِكُلِّ حُبٍّ تُنَاغِي بِالْمُنَى مَبْسَمَكْ
وَبِالرِّضَا غَادَرَتْ مَنْ فِي الدُّنَا وَارْتَقَتْ
إِلَيْكَ أُنْسًا وَحِيدًا عِزُّ مَا فِيهِ لَكْ
أَمَا تَرَى أَنَّهَا لِلْبَيْتِ نَبْعُ الْهَنَا
هَمْسُكَ أَمْرٌ لِرِمْشِ الْعَيْنِ كَيْ تُسْعِدَكْ
تَسْعَى إِلَيْكَ بِمَا يُرْضِي جُمُوعَ الْأَنَا
تَحْمِلُ شَكْوَاكَ تَمْحُو عَنْكَ مَا أَحْزَنَكْ
أَمَا تَرَى الْآهَ تُنْسَى فِي فَضَا حُضْنِهَا
فَاخْلُدْ إِلَيْهَا بِلُطْفٍ يُوهَبُ الْأُنْسُ لَكْ
وَاسْهَرْ عَلَيْهَا وَسَمِّ اللَّهَ حَمْدًا بِهَا
وَاصْنَعْ لَهَا السَّعْدَ صَرْحًا فِيهِ صُنْ مَهْنَأَكْ
مَاذَا دَهَاكَ أَيَا مِسْكِينُ إِيَّاكَ أَنْ
تَغْفُو وَإِلَّا سَيَغْفُو قَلْبُ مَنْ عَاشَ لَكْ
وَهَا أَنَا أَنْثُرُ الْأَنْفَاسَ بِالْحَمْدِ إِذْ
أَكْرَمَنَا اللَّهُ مِنْ أَضْلَاعِنَا ذا الْمَلَكْ
حَوَّاءُ يَا أُمَّنَا يَا نُورَ أَعْمَارِنَا
أَنْتِ الْأَنَا وَأَنَا الْمَسْؤُولُ أَنْ أُكْرِمَكْ
حَوَّاءُ يَا أُخْتَنَا يَا عِطْرَ أَيَّامِنَا
أَنْتِ الْأَنَا قَسَمًا مِنِّي لَأَنْ أُسْعِدَكْ
حَوَّاءُ يَا كُلَّنَا يَا سَعْدَ أَرْوَاحِنَا
لَكِ الْوَفَا نَبْضُ وَعْدٍ سَوْفَ لَنْ أَخْذُلَكْ
** **
- كاتب وشاعر فلسطيني