د. أحمد محمد القزعل
بدايةً يقول فيليب حِتّي: «إن سوريا هي مهد الحضارة، ومنها انطلقت أولى الأبجديات وأقدم المدن في التاريخ»، وأهل سوريا شعب أصيل يمتلك إرثاً حضارياً حافلاً بالتجارب والنضال، وعلى الرغم من كل التحديات الصعبة التي مرت بها سوريا، فقد أثبت السوريون قدرتهم على الصمود وإعادة البناء، مستمدين قوتهم من روحهم الوطنية وكفاءتهم العالية في مختلف الميادين، فحبهم لوطنهم وتمسكهم بأرضهم يمنحهم القدرة على تجاوز الصعوبات وصياغة مستقبل أكثر إشراقاً لوطنهم.
وعلى مر العصور كان للسوريين دور بارز في التاريخ القديم والحديث، حيث نشأت على أرضهم حضارات من أقدم الحضارات الإنسانية كالحضارة الآرامية والآشورية، كما كان لهم إسهامات جليلة في الحضارة الإسلامية، وخلال فترات الاستعمار تصدى السوريون ببسالة للمستعمر حتى نالوا استقلالهم مؤكدين عشقهم للحرية والكرامة، وبهذا الإرث الممتد لآلاف السنين اكتسب الشعب السوري خبرة حضارية ووعياً مجتمعياً يعزز مكانته في مسيرة التاريخ الإنساني.
ويواجه السوريون العديد من التحديات الكبرى الآن بعد انتصار ثورتهم الأمر الذي يتطلب جهوداً مكثفة للتغلب على هذه التحديات وبناء مستقبل مستقر ومزدهر، ومن أبرز هذه التحديات إعادة إعمار البلاد إذ خلف نظام الأسد دماراً هائلاً في البنية التحتية مما يستدعي خططاً شاملة لإعادة بناء المدن والقرى وتأهيل المرافق العامة كالمستشفيات والمدارس والطرق، كذلك سيكون تحقيق الاستقرار السياسي من أولويات المرحلة المقبلة، حيث يتم تأسيس نظام حكم عادل يضمن حقوق جميع المواطنين ويعزز من التعددية السياسية، مع ضرورة المحاسبة على الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت خلال فترة الحرب في إطار محاكمات عادلة ونزيهة، ولا بد من إعادة بناء الاقتصاد المنهار من خلال تشجيع الاستثمارات وتحفيز الإنتاج المحلي وإيجاد فرص عمل للشباب الذين عانوا من سنوات الحرب واللجوء، مع الإشارة إلى ضرورة عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، حيث يتطلب ذلك توفير بيئة آمنة ومستقرة إضافة إلى تعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم خلال كل تلك السنوات، كما أن إصلاح النظام التعليمي سيكون ضرورياً لتعويض الأجيال الشابة عما فاتها من التعليم خلال سنوات الحرب وضرورة ضمان وتوفر تعليم حديث ومتطور يسهم في نهضة البلاد من جديد، كما ستحتاج سوريا إلى تعزيز علاقاتها الخارجية مع محيطها العربي والإقليمي والبحث عن شراكات عربية وإقليمية ودولية تدعم إعادة الإعمار والاستقرار دون التدخل في سيادتها.
أما رؤية المستقبل المنشود فتكون في بناء دولة يحكمها القانون وتقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، حيث يتمتع الجميع بحقوقهم دون تمييز، وسيكون للسوريين فرصة لإعادة رسم ملامح دولتهم وفق مبادئ الحرية والكرامة والعدالة، مما يفتح المجال أمام نهضة اقتصادية وثقافية تعيد لسوريا مكانتها الحضارية بين الأمم.
وهكذا يبقى الأمل متجذراً في قلوب السوريين، إذ تدفعهم إرادة الحياة وحب الوطن إلى النهوض من جديد وإعادة إعمار بلادهم؛ ليصنعوا مستقبلاً أكثر إشراقاً، وستظل سوريا بإذن الله رمزاً للحضارة ومهداً للإبداع، حيث يواصل شعبها رسم ملامح الغد المشرق الذي يليق بإرثه العريق وتاريخه المجيد.