علي حسن حسون
يمثل التعليم ركيزة أساسية في بناء الإنسان وصياغة مستقبل الأمم، ويأتي في المرتبة الثانية بعد الصحة من حيث الأهمية، إذ يشكل حجر الزاوية في نهضة المجتمعات ورقيها. ولله الحمد، ننعم في المملكة برعاية كريمة لكلا الجانبين، مما أسهم في توفير بيئة تعليمية وصحية متكاملة، تعكس رؤية طموحة لمستقبل مشرق.
ورغم الجهود الحثيثة لتطوير المنظومة التعليمية، إلا أن نظام الفصول الدراسية الثلاثة لا يزال موضع جدل بين مؤيد ومعارض. فبينما يرى البعض فيه وسيلة ناجعة للقضاء على الفراغ الطويل الذي كان يمتد لما يقارب مئة يوم دون فائدة تُذكر، يراه آخرون نظامًا مرهقًا لا يحقق الغاية المنشودة، لقد كانت تلك الإجازة الطويلة فيما مضى مساحة للهو والسهر دون استثمار حقيقي للوقت، مما أدى إلى تراجع مستوى التحصيل العلمي وضعف الارتباط بالمناهج الدراسية عند العودة للدراسة من جديد.
لكن رغم إيجابيات النظام الجديد، لا يمكن إنكار بعض التحديات التي تواجه الفصل الدراسي الثالث، حيث تعاني المناهج فيه من ضعف واضح، إذ تقتصر في كثير من الأحيان على إعادة الدروس السابقة دون إثراء معرفي حقيقي، مما يهدر الوقت ويقلل من كفاءة العملية التعليمية.
ويزداد التحدي تعقيدًا مع قدوم شهر رمضان، حيث ترتفع نسبة الغياب بين الطلاب والمعلمين على حد سواء، مما يؤثر سلبًا على جودة التحصيل العلمي، فالطالب الذي ينهكه الصيام قد يجد صعوبة في استيعاب المعلومات بنفس الكفاءة، كما أن تقليص ساعات الدراسة قد يؤثر على إتمام المقررات الدراسية بالشكل الأمثل.
ومن المشكلات التي تستوجب المعالجة أن المناهج الحالية تبدو غير كافية لتغطية الفصول الثلاثة بصورة متوازنة لذا، قد يكون من المجدي إعادة بعض المواد التي أُزيلت سابقًا، مثل مادة الخط العربي، التي لا تسهم فقط في تحسين الخط اليدوي، بل تعزز أيضًا الهوية الثقافية بوصفها جزءًا أصيلًا من تراثنا العربي والإسلامي. وكذلك مادة التربية الوطنية، التي تُعد درعًا حصينًا لحماية النسيج المجتمعي، إذ تغرس قيم الانتماء، وتعزز التسامح، والاحترام المتبادل، ونبذ التعصب والانغلاق.
وفي ظل التحولات الرقمية المتسارعة، لا بد من إدخال مناهج حديثة تُواكب متطلبات العصر، مثل مادة الذكاء الاصطناعي، التي تضع الطلاب على أعتاب المستقبل الرقمي، ومادة التعليم المالي، التي تزرع في نفوسهم ثقافة الادخار، والاستثمار المبكر، والتخطيط المالي، مما ينعكس إيجابًا على الفرد والمجتمع.
أما فيما يخص تحدي الغياب في رمضان، فيمكن البحث عن حلول مبتكرة، مثل تقليل الحصص النظرية والتركيز على المشاريع البحثية، أو تحويل بعض الدروس إلى نظام التعليم عن بُعد، مما يمنح الطلاب مرونة أكبر في التعلم دون الإخلال بخصوصية الشهر الفضيل.
إن إعادة هيكلة توزيع المحتوى الدراسي بما يحقق أكبر فائدة من الفصول الثلاثة، والتركيز على تنمية المهارات، بدلاً من تكرار المعلومات، سيضمن تعليمًا أكثر فاعلية واستدامة، ويُمهّد الطريق لجيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة واقتدار.