د. منصور الجريشي
التعليم حياة الشعوب، ورأس مالها، وهو الاستثمار الحقيقي التي تنشده المجتمعات لإعداد، وبناء جيل للمستقبل قادر على مواجهة التحديات، والصعوبات، ووضع المقترحات والحلول المناسبة لتلك التحديات، وليس جيلا جامداً وضعيفاً، ومهزوزاً لا يستفاد منه. فالدول المتقدمة تُقدم التعليم على كل المجالات الأخرى لإيمانها العميق بأن التعليم هو الحياة الحقيقية التي تبني عليه أمالها وطموحاتها، وتطلعاتها، وهو الجسر المؤدي للمجالات الأخرى المتمثلة في: الصحة والأمن والاقتصاد وغيرها، ولا يمكن لأي دولة أن تتطور إلا من خلال التعليم.
ومن هنا دأبت تلك الدول، وعاهدت نفسها بالمضي قدما نحو تطوير مناهجها، وصياغة معايير ذات جودة عالية تتماشى مع خططها وأهدافها لمواكبة العصر، والوصول إلى أعلى المستويات ليكون التعليم أنموذجا يحتذى به.
ومن منطلق ذلك نجد أن المملكة العربية السعودية أصبحت دولة متقدمة في كافة المجالات بسبب أنها أولت اهتماما كبيرا لا مثيل له بالتعليم، ونراه من خلال الميزانية العامة التي ترصدها للتعليم كل عام وأيضا الخطط، والسياسات التي تعتمدها لمواكبة العصر، والتي تتوافق مع الرؤية الطموحة، رؤية سمو سيدي ولي العهد -حفظه الله- حيث نلاحظ أن التعليم في تغير مستمر، وتطور دائم في شتى مجالات التعليم من حيث تطوير المناهج، وتقويم الأداء، ونواتج التعلم من خلال إنشاء هيئة مستقلة تتولى تقويم التعليم وهي: هيئة تقويم التعليم التي وضعت معاييرها لتقويم التعليم في كل مرحلة من مراحله؛ للوقوف الفعلي على أداء العملية التعليمية في شتى الجوانب؛ لمعالجة جوانب القصور، وتعزيز جوانب القوة من قبل وزارة التعليم عندما يصدر التقرير النهائي من هيئة تقويم التعليم ولعل واحدة من أمثلة التطوير الكبير للتعليم في بلادنا الحبيبة والاهتمام به، ما ذكره وزير التعليم الأستاذ يوسف البنيان في ملتقى الاستثمار بالتعليم بأنه «صدر قرار مجلس الوزراء بإعادة صياغة المعهد المهني لتطوير المعلمين بحيث يكون المعلم هو ركيزة أساسية في رحلة التحول، والعمل مع وزارة الموارد البشرية، ومع الجهات المختلفة، اعتبارا من العام القادم اختيار المعلم يكون من خلال رحلة تطويرية لمدة سنة مع المعهد المهني لتطوير المعلمين وعلى ضوئه نضمن كفاءة وجودة المعلم في الفصول، وهذا من أهم الركائز الأساسية لتحقيق طموحات المملكة 2030 في قطاع التعليم»،
ومن خلال تصريح معالي الوزير يتضح أن اختيار المعلم لن يكون مثل الأعوام السابقة، عندما يتعين المعلم يذهب مباشرة ليباشر مهام عمله بالمدرسة، بل سيكون مختلفا تماماً حيث سيكون هناك رحلة تطويرية لمدة سنة يقوم بها متخصصون في المعهد لضمان جودة وكفاءة المعلم، والاطمئنان على المعلم بأنه يقوم بمهام عملية التعليم والتعلم على أكمل وجه ينعكس أثره على العملية التعليمية برمتها.
اقتراحات:
ولتعزيز الموقف التطويري للمعلم والحصول على الاستفادة الكبرى من البرنامج التطويري أقترح الآتي:
أولاً: أن يكون المدرب من ذوي الكفاءة العالية، والمشهود لهم بالتميز، والابداع، وليس مدرب يقلب شاشات الحاسوب، والقراءة منه دون تعليق، وكأنه يقرأ نصاً عادياً.
ثانياً: أن تكون الرحلة التطويرية ذات طابعين طابع نظري، وطابع تطبيقي.
1 - يشتمل الجانب النظري على المحاضرات والبحوث وتقصي المشكلات وتكون كالآتي:
* المحاضرات يقوم بها مدرب مبدع ومتميز، وتشمل شرح أهم النظريات والاستراتيجيات الحديثة، وطريقة إدارة الفصل، والتعامل مع الطلاب على اختلاف سلوكياتهم، كذلك شرح اللوائح والأنظمة والتعليمات، والواجبات الوظيفية، وميثاق الأداء الوظيفي.
* البحوث المكثفة: تشتمل على موضوعات تختص بالبيئة التعليمية، والطالب والمعلم.
* الاستقصاء: يقوم المدرب بتحديد مشكلة معينة تحدث عادة داخل الفصل او داخل البيئة المدرسية عموما، ثم يُطلب المعلم المعين حديثا تقصيها ووضع الحلول المناسبة لها بالتوافق مع الانظمة والتعليمات، ولائحة السلوك.
2 - يشتمل الجانب التطبيقي على الزيارات المتعددة وتكون كالآتي:
* التنسيق مع المدارس التي يكون فيها معلمون متميزون، ومبدعون وذوو كفاءة عالية -وهم كثر في مدارسنا- ثم يقوم المعلم المعين حديثا بحضور دروسهم ويشاهد الحصة التطبيقية.
* التأكيد على مدير المدرسة بضرورة متابعة حضور المعلم المعين حديثا للدروس التطبيقية.
* في حالة أن المعلم المعين حديثا غير منضبط بالحضور ينبه من قبل مدير المدرسة، وفي حالة استمراره يُبلغ المعهد بذلك لاتخاذ ما يجب اتخاذه.
* لا يكتفى بمدرسة واحدة بل يتم تدويرهم على عدة مدارس.
* في نهاية البرنامج التطويري يعطى المعلم المعين حديثا حصص بحضور المعلم المتميز، ومدير المدرسة، ويتم تقويمه، ولا يكتفى بحصة واحدة، بل عدة حصص تمتد لأسبوعين، وأكثر حسب خطة البرنامج التطويري.
* اذا لاحظ المعلم المتميز، ومدير المدرسة أن المعلم المعين حديثا يحتاج التمديد له لحضور مزيد من الحصص يمدد له، حتى يتم التأكد بأنه اجتاز البرنامج التطويري بنجاح.
* إشراك المعلم المعين حديثا بالاطلاع على السلوكيات التي تحدث داخل الفصل، وخارجه في حدود البيئة التعليمية وإتخاذ قرار حيالها بحضوره؛ حتى يكتسب خبرة جديدة حيال ما يواجهه من مشكلات مستقبلية.
* يُطلع مدير المدرسة المعين حديثا على استمارة الأداء الوظيفي، ويشرح له كافة بنودها حتى يصبح لديه إلمام تام بما يتوجب عليه القيام به خلال العام الدراسي.
همسة:
أخي المعلم مهنتك عظيمة، وجميلة وقد حُزت هذا الشرف العظيم بتعيينك على مهنة معلم، وأنت لها، فاجتهد، وحقق أهداف دولتنا العظيمة بتخريج جيل قادر على العطاء والتفاني من أجل دينه ووطنه وقيادته، وكن أبا لجميع طلابك دون استثناء، واعلم أخي الحبيب أن هذه المهنة تحتاج جهدا كبيرا، ومنظما. لذلك تعود في الشهور الأولى على الانضباط حتى تتعود نفسك على ذلك ولا ينفك منك حتى أخر يوم في حياتك العملية. وطور نفسك من خلال البرامج التطويرية التي تُطرح كل فصل دراسي لتطلع على كل ماهو جديد في مجال تخصصك، أو في المجالات الاخرى التي تخص البيئة التعليمية.
إضاءة:
التطوير ليس الجلوس على الكرسي والاستماع لما يقوله المدرب فقط فهذا مع مرور الوقت ينسى لا محالة، بل الحقيقة هو تطبيق ما اكتسبته من خبرة على أرض الواقع، لكي تصبح متميزا وعلما يشهد له الجميع.