خالد بن حمد المالك
تستغل إسرائيل الوضع الانتقالي الذي تمر به سوريا، إثر التخلّص من نظام بشار الأسد، وقيام نظام وطني جديد لا يرتهن للخارج لتكرر اعتداءاتها على مواقع عسكرية تابعة للجيش السوري، تقول تل أبيب إنها تشكِّل خطورة على إسرائيل، وهو مبرر واهن وغير صحيح، فإسرائيل هي التي تشكِّل خطورة على سوريا وعلى جميع دول المنطقة باعتداءاتها، وتسليح أمريكا لها، وعدم التزامها بالقوانين والمتطلبات الدولية، معتمدة على الدعم الأمريكي والغربي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
* *
ولم تكتف إسرائيل بالعدوان أو نيتها للعدوان على ما أسمته بسبع جبهات، وإنما احتلت أراضي جديدة في سوريا ولبنان، وتهدِّد دولاً أخرى بالاحتلال نفسه، دون أن تجد مقاومة قادرة على منع هذا الاعتداء، ما شجَّعها على التمادي، ومواصلة العدوان، وتكرار الإعلان عن أهدافها التوسعية على حساب أراضي دول الجوار، وليس هناك من قوانين ملزمة أو قوة رادعة تحول دون تحقيق أطماعها، وعملياتها العسكرية العدوانية.
* *
وبشكل يشبه الاستسلام من الدول المُعتدى عليها فقد تولَّد عن كسبها حرب السابع من أكتوبر، تماديها في عدوانها، مستفيدة من تفوقها العسكري في اعتداءاتها المتكررة، خاصة وأن الدول المجاورة فقدت الكثير من قدراتها العسكرية، وليس بمقدورها أن تدخل في مغامرات غير محسوبة، ومواجهات تأكد للجميع أن التفوق سوف يكون فيها لإسرائيل، بعد أن خرج حزب الله في لبنان من حسابات إسرائيل، ومثله الميليشيات الإيرانية والعراقية من حساباتها في سوريا وكذلك حماس والجهاد كقوة تحسب لها إسرائيل حساباً.
* *
كما أصبحت إيران أضعف من أن تدخل في مواجهات مع إسرائيل، فتقبلت هجوم إسرائيل على مواقع حساسة لها دون رد فعل، وقتلت قادة داخل إيران، ولم تترك أذرعتها ووكلاءها في لبنان وسوريا والعراق واليمن دون ضربات موجعة ومن غير رد، حتى أصبحوا لا يجدون وقتاً يستريحون فيه، أو فرصة للتفكير والتدبر بما يمكن أن يفعلوه أمام هذا الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح المتطور.
* *
وتكرر إسرائيل أن ما احتلته مؤخراً من أراض لبنانية وسورية سوف يكون الاحتلال إلى أجل غير مسمى، أي أنه احتلال نهائي، وتوسع غير معاد، لأن تل أبيب تدرك أن الدولتين ليستا لديهما القدرة لتحريرها بالقوة، وليس لدى إسرائيل النية للتخلي عنها، لا بالحوار والتفاهم، ولا بأي قوة عسكرية قد تفكر بها الدولتان.
* *
هذه من نتائج وكوارث حرب السابع من أكتوبر، فإلى جانب تدمير غزة، وإنهاء حركتي حماس والجهاد، وقتل كل قادة الحركتين، وأصبح مستقبل قطاع غزة في حكم المجهول، فقد خرج حزب الله من معادلة الحرب والسلام، ولم يعد لديه من القوة ما يهدِّد بها إسرائيل، أو أن يهدِّد بها المواطنين اللبنانيين والدولة اللبنانية كما كان يفعل من قبل، بعد أن قُضي عليه ودمِّر أغلب سلاحه، وقُتل قادته، وعرَّض سلامة الأراضي اللبنانية إلى الاحتلال، دون حماية أو قدرة لاستعادتها.
* *
لقد عاد جزء من أسرى إسرائيل لدى حركتي حماس والجهاد، وسيعود من تبقى منهم، وهؤلاء هم من ساومت عليهم الحركتان، ولكن في النهاية قبلت الإفراج عنهم مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار والإفراج عن بعض الرهائن الفلسطينيين لدى إسرائيل، مع أن إسرائيل لا زالت تطوِّق القطاع، وتمنع دخول الدواء والغذاء إليه، وتهدِّد بقطع الكهرباء، والعودة إلى الحرب بمجرد استلام آخر أسير وآخر جثمان.