محمد العشيوي - «الجزيرة»:
يعد مسلسل «شارع الأعشى»، الذي يُعرض خلال شهر رمضان الحالي، واحدًا من المسلسلات السعودية التي أثارت الجدل، حيث قدم صورة نمطية عن الحياة الاجتماعية في العاصمة الرياض خلال السبعينيات، مرورًا بالثمانينيات، مسلطًا الضوء على البيوت الطينية وبداية انتشار المنازل المسلحة.
ويستند المسلسل إلى رواية الكاتبة بدرية البشر (غراميات شارع الأعشى) التي هيمنت مشاعر الحب والغرام على كثير من مشاهدها، ورغم أن الحقبة التي يتناولها المسلسل كانت تتسم بالتشدد من جانب والبساطة من ناحية أخرى، إلا أن العمل بعد منتصفه، أصبح يدور في سياق واحد يركز على قصص الحب والعشق والهيام، وسط تخيلات هائمة.
وأبرز المسلسل جانب التقارب بين الجيران في ذلك الوقت، واستعرض الأسواق الشعبية البسيطة في حي منفوحة، أحد أشهر أحياء الرياض القديمة، والتي كانت تحيط بها شوارع مثل «الثميري والوزير وسويقة وغيرها».
كما سلط المسلسل الضوء على المتغيرات والتطورات التكنولوجية في تلك الفترة، مثل دخول التلفاز الأبيض والأسود إلى البيوت، ثم التلفاز الملون، وصولًا إلى الهاتف الأرضي، كذلك وثّق الانتقال من النوم على الأسطح للاستمتاع بنسائم الليل إلى الاعتماد على المكيف الصحراوي، ثم الفيريون، ورغم أن هذه التغيرات كان من الممكن توظيفها بشكل أعمق في رصد التحولات الاجتماعية، إلا أنها ظهرت كخلفية عابرة للأحداث، دون استثمارها دراميًا بشكل كافٍ.
ورغم تصوير المسلسل في إحدى مناطق عرقة القديمة، مع تنوع مواقع التصوير، مثل «حي العود الشعبي»، الذي اشتهر بمحلات الآلات الموسيقية، إلّا أن بناء السوق جاء بشكل مصطنع ليحاكي تلك الحقبة، حيث برزت فيه البسطات الشعبية وأشرطة الكاسيت التي كانت منتشرة آنذاك.
كما برزت أعمال فنان العرب محمد عبده، إذ تعالت في خلفية المشاهد أغاني مثل «إبعاد» و»أيّوه»، ما منح المسلسل بعدًا «نوستالجيًا» محببًا ومع ذلك، لم يتم استثمار هذه العناصر في خلق بيئة متكاملة تعكس واقع تلك الفترة، حيث ظل التركيز الأكبر على القصص العاطفية أكثر من استعراض الحياة الاقتصادية والتطورات التجارية بشكل مقنع.
واجه العمل تحديات عديدة، كان من أبرزها كتابة السيناريو، حيث تم إعداده من قبل فريق عمل تركي مكوّن من أربعة أشخاص، قبل أن يُترجم إلى اللهجة المحلية في ثلاثين حلقة، ورغم الجهود المبذولة لتكييف الحوار مع الثقافة السعودية، إلا أن المسلسل افتقر إلى إتقان اللهجة النجدية، حيث بدت الحوارات في بعض المشاهد مصطنعة وغير متناسبة مع طبيعة الشخصيات والفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، خاصة أن بعض الشخصيات لم تكن متطورة دراميًا بما يكفي لجعلها أكثر واقعية ومؤثرة.
أداء متفاوت وغياب التلقائية
عانى المسلسل من تفاوت واضح في أداء الممثلين، حيث برزت بعض الشخصيات بقوة، بينما جاءت شخصيات أخرى باهتة، وعلى سبيل المثال، قدمت إلهام علي أداءً مميزًا في دور المرأة البدوية، التي عكست صلابة نساء البادية، إلا أن لهجتها لم تكن متقنة تمامًا، كما أن بعض المشاهد العاطفية بدت غير تلقائية، حيث افتقر بعض الممثلين إلى القدرة على إيصال المشاعر بصدق، ما جعل بعض اللحظات الدرامية أقل تأثيرًا.
في المقابل، برزت بعض الوجوه الجديدة، مثل عائشة كاي التي لعبت دور الأم النجدية التقليدية، ولمى الكناني التي جسدت شخصية عزيزة، الفتاة التي تعيش مراهقتها في ظل قيود المجتمع، حيث لاقى أداؤها تفاعلًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما قدم خالد صقر دور الأب المتزن بحكمة وعمق، فيما حظيت قصة الحب بين سعد وعواطف بانتشار واسع بين المشاهدين، ما دفع البعض إلى التساؤل عن قصص الحب التي دُفنت في أروقة منفوحة التاريخية.
ومن الناحية الإخراجية، لم يحمل المسلسل لمسات بصرية مميزة أو ابتكارات تميزه عن غيره من الأعمال الدرامية، ما جعله يبدو شبيهًا بمسلسلات أخرى دون تفرّد واضح، كما أن الإيقاع البطيء والتكرار في بعض الحوارات جعل المشاهدين يشعرون بالرتابة، إلا أنه أضاف نقاط قوة مكنت من جذب المشاهدين إليه.
ورغم اجتهاد مسلسل «شارع الأعشى» في تقديم صورة عن الرياض في السبعينيات، إلا أن العمل لم يستثمر جميع مقوماته بالشكل المطلوب، وجاء المسلسل كعمل يحمل بعض اللمحات الجمالية، ومع ذلك، يبقى المسلسل ضمن الأعمال التي جذبت المتابعين في السباق الرمضاني والأكثر تداولا عبر منصة X، بفضل أجوائه التراثية ورومانسيته الحالمة، رغم افتقاده إلى العمق والابتكار.