العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لأن محكمة العدل الدولية تريد أن يعم السلام والأمن في العالم، ومحاسبة الذين يكرهون تطبيق قوانين العدالة الدولية التي تحارب الظلم والقهر والاستعباد، والتعدي على حقوق البشر، هذه الإجراءات لا يريدها السيد ترامب لأنها ضد العدوان والبغي والهمجية لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي قضمت الأخضر واليابس، وطمست معالم غزّة ودفنت أهلها تحت ركام العمائر والمباني، وشردت من شردت واستباحة كل ما هو محرم دولياً، أو إنسانياً بكل الوسائل المحرمة وغير المحرمة، ثم يأتي ترامب ليقول إنه سيعاقب (الجنائية الدولية) لأنها دانت أفعال إسرائيل المحرمة، ومدعياً أن تحقيقاتها (تهدد الأمن القومي) للولايات المتحدة وحلفائها، في إشارة إلى إسرائيل التي تواجه اتهامات متعددة بارتكاب جرائم بشعة ضد الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية المحتلة، وكانت المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست عام 2002م وتضم في عضويتها (124) دولة ليست بينها الولايات المتحدة الأمريكية، قد أصدرت في 21 نوفمبر 2024م ثلاث مذكرات توقيف بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يواف غالانت، والقائد العسكري لــ(حماس) محمد الضيف، على خلفية ارتكاب تجاوزات في حرب غزّة،
عادة أن هناك «أسباباً معقولة» لاتهام نتنياهو وغالانت، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأفادت المحكمة بأن «نتنياهو وغالانت» «حرّما عن عمد، وعن علم، السكان المدنيين في غزّة من أشياء لا غنى عنها لبقائهم أحياء، بما في ذلك الغذاء، والمياه، والأدوية، والإمدادات الطبية، فضلاً عن الوقود والكهرباء»، وكانت قد منحت المحكمة عضويتها لفلسطين عام 2015م، ما يعني أن لديها ولاية قضائية على الجرائم الدولية التي تحدث في غزة، وقد ندد العالم بإجراءات ترامب مع المحكمة وكذلك مع وكالة غوث، وقال المدير القانوني لمنظمة «ديموكراس فوردارد» الحقوقية، روبن ثورستون، إن ما نراه من إجراءات أمريكية هو استيلاء غير قانوني على هذه الوكالة من إدارة ترامب في انتهاك واضح للمبادئ الدستورية الأساسية»، مضيفاً أن الإدارة تسببت في أزمة إنسانية عالمية ورفضت دول كثيرة العقوبات الأمريكية على المحكمة، وقال المستشار الألماني أولاف شولتس، إنه من الطبيعي تماماً، أن نغضب ونجادل بشأن بعض الأمور «لكن العقوبات هي الوسيلة الخاطئة»! لأنها «تعرض للخطر مؤسسة من المفترض أن تضمن عدم قدرة الديكتاتوريين في هذا العالم على اضطهاد الشعب وإثارة الحروب».
وكانت هولندا التي تستضيف مقر المحكمة، قد دعت الأعضاء الآخرين إلى «التعاون لتخفيف مخاطر هذه العقوبات «كي» تتمكن المحكمة من الاستمرار في أداء عملها والوفاء بولايتها» ورأى المدير التنفيذي لمركز الحقوق الدستورية في نيويورك، فينسنت وارن، أن « النطاق الواسع للقرار التنفيذي للرئيس ترامب يهدف إلى تشجيع الجناة في كل أنحاء العالم، ومنع السعي إلى تحقيق العدالة الدولية ضد الأقوى»، وكذلك رأى محامي مشروع الأمن القومي، التابع للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، تشارلي هوغل، أن قرارات ترامب «هجوم على المساءلة وحرّية التعبير» وقالت مديرة منظمة «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن سارة ياغر: «يمكننا الاختلاف مع المحكمة، وطريقة عملها، لكن هذا أمر غير مقبول».
وكذلك الأمر بالنسبة لكل دول العالم المحبة للعدل والسلام، وقرارات ترامب في هذا الشأن، وما يخص الأونروا وقنبلة غزة التي أطلقها بدون تروٍ هي قرارات وتصريحات مرفوضة حالياً، ومستقبلاً وغير قابلة للتطبيق وعلى الولايات المتحدة وشعبها وكان الأولى للسيد ترامب أن يساهم في إحلال الأمن والسلام بين دول العالم وليس تشجيع الجريمة والتغطية على مرتكبيها، وفي مقدمتهم إسرائيل التي انتهكت كافة المحرمات الدولية، وارتكبت أشنع وأبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني المكلوم، ثم يأتي السيد ترامب ليمنحها المكافأة بتهجير سكانها ومعاداة كل من يحاول أن يحد من غطرسة وانفلات إسرائيل.
هذه السياسة لن تنفع ترامب ولا الولايات المتحدة الأمريكية، بل ستكرس الكره والغضب والاستياء من كافة شعوب العالم.