د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
ينظر إلى المملكة من قبل محللي ومنظري الفكر السياسي العالمي على أنها مركزي سياسي واستراتيجي مهم في معادلة توازن القوى بمنطقة الشرق الأوسط، بما تمثله من ثقل إقتصادي وسياسي، وزيارات متكررة لقادة وكبار مسؤولي العالم إلى الرياض.
وتأتي القمم التي نظمتها المملكة في السنتين الأخيرتين دليلاً على مدى أهمية وثقل المملكة السياسي الدولي، ودورها المحوري في الأمن والاستقرار في المنطقة، في ضوء ما شهدته من حضور كبير للعديد من قادة دول العالم .
وقد جسد الإتصال الذي أجراه سمو ولي العهد بالرئيس الأمريكي بعد يومين من تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة، مكانة المملكة لدى القيادة الأمريكية الجديدة، وتقديرها لمحورية الدور السعودي في المنطقة والعالم، حيث أكد الرئيس الأمريكي ذلك، معلناً رسمياً بإنه سيعقد إجتماعه الأول مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الرياض، وبمشاركة من ولي العهد السعودي. وتبع ذلك التأكيد في وقت لاحق ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، «بأن الرئيسين الروسي والأميركي، قد اتفقا على أن الرياض، هي المكان المناسب للقاء»، وهو ما يثبت حقيقة ذلك الدور المحوري الفاعل والمؤثر.
وتلى ذلك تأكيدات صدرت من محللين ومراقبين في السياسة في العالمين العربي والغربي، أشارت إلى أن «وجود ولي العهد السعودي في اللقاء المرتقب، يعكس الدور البارز للمملكة بوصفها دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي دولي، ويعكس دورها المحوري في صناعة الإستقرار والسلام في العالم»، مضيفة تلك الإشارات بأن «المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، عززت من مكانتها بوصفها وسيطاً فاعلاً في حل النزاعات الدولية، من خلال سياستها المتوازنة وعلاقاتها الإستراتيجية مع مختلف دول العالم، وأن لقاء ترامب بوتين القريب، يؤكد الثقة التي تحظى بها المملكة من لدن القوى العالمية».
وقد كسبت المملكة ثقة القوى الدولية في المنطقة والاقليم والعالم عبر «حيادها الايجابي» وفقا لـ»Rasanah Institute»، فقد كشف ذلك الحياد عن الدور التي تتبنَّاهُ ضمن رؤية 2030 في تعزيز الأمن والإستقرار، مضيفًا المعهد بأن نظرة المجتمع الدولي للمملكة هو «أنها بقعة جغرافية آمنة، وان الأمن والإستقرار فيها يتقدَّم قائمةَ المتطلَّبات الأساسية لتجسيد تطورها الاقتصادي ضمن رؤيتها الطموحة» وأنها «تنظر إلى حيادها المتناسق مع مصلحتها الوطنية خيارٌ إستراتيجي وليس تكتيكي»، ومؤكداً حقيقة أن الرياض بحيادها وقدراتها ورمزيتها، تمثل الطرف المناسب للمساهمة في بسْط الأمن والاستقرار، ولعِب أدوار مؤثِّرة في الوساطات، التي تفضي للتوصل إلى تسويات سياسية للعديد من الصراعات الإقليمية والدولية العالقة».
يذكر أن ذلك الحياد الأيجابي هو ما جعل من المملكة وجهة مقبولةً وآمنة لدى الأطراف الإقليمية والدولية في تعاطيهم مع قضايا العالم السياسية والاقتصادية والأمنية، والذي يأتي على رأسها في هذه الأيام، القضية الفلسطينية والخلاف الأمريكي الأوكراني والعلاقات الأمريكية الروسية والحرب الأوكرانية، قضايا تستضيف المملكة في قادم الأيام قياداتها في مسعى لايجاد الحلول المناسبة لها، وإعادة ما يمكن من العلاقات لواقعها وطبيعتها.
وخير دلالة على حياد المملكة الايجابي من جهة ثانية، استقبال المملكة في الشهرين الأخيرين لعشرة من قيادات العالم، ما بين رئيس دولة ورئيس مجلس وزراء، زيارات هدفت إلى إجراء مباحثات مع القيادة السعودية في جوانب متعددة ومختلفة في الدبلوماسية والاقتصاد والأمن والطاقة في الإقليم والعالم، زيارات مكثفة، تعكس دون أدنى شك، المكانة الرفيعة التي تتمتع بها المملكة بين أعضاء المجتمع الدولي المعاصر.
وفي هذا الإطار، نستشهد بما جاء على لسان مولاي الملك سلمان يحفظه الله، في كلمة له أمام مجلس الشورى، قال فيها «ان مكانة المملكة العالمية ترجع لمكانتها العربية والإسلامية وأدوارها المحورية في السياسة الدولية وإلتزامها بالمواثيق». كما نستشهد بما جاء على لسان المستشارة السابقة لألمانيا أنغيلا ميركل، التي قالت «ان المملكة تلعب دورًا حاسمًا في الإستقرار والأمن الإقليمي، وأنها تمثل قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها».
ونستشهد كذلك على الدور المحوري للمملكة في عالمها الإسلامي، بما جاء على لسان رئيس دولة طاجيكستان الذي قال بأن «المملكة تلعب دورًا محوريًا بما تتبوأه من مكانة مشهودة في العالم الإسلامي، وإننا نرحب بمساعي المملكة الرامية إلى تحقيق التنمية لبلدان العالم الإسلامي، ونرى أنها تمثل وسيلة نافذة لمقاومة التحديات الحديثة للأمن والإستقرار».
وكان الكاتب والمحلل التركي يوسف أوغلو، قد أبرز المكانة المحورية للملكة في منطقتنا العربية بقوله «ان إختيار السعودية كأول وجهة خارجية للسلطات الجديدة في دمشق، جاء لإثبات أن السعودية دولة محورية عربية كبرى».
وعن الدور المركزي العالمي للمملكة أيضاً، جاء على لسان السفير الكوري الجنوبي قوله «ان السعودية هي الدولة الأولى عالمياً في تصدير النفط والعضو الوحيد في مجموعة العشرين من منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فهي تؤدي دوراً مركزياً على المستوى الدولي سياسياً واقتصادياً».
وعن الدور المحوري للمملكة في قطاع الطاقة، رصدت وحدة أبحاث الطاقة ومقرها واشنطن العاصمة، أبرز الأسباب التي تجعل من المملكة دولة ذات دور محوري في صناعة طاقة المستقبل، وهي أن المملكة تطور موارد الغاز غير التقليدية، وتمتلك أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين عالميًا، ومشروعات ضخمة في الطاقة المتجددة، وتعمل على إستكشاف المعادن، وهو ما يؤهلها لدور محوري رفيع المستوى في قطاع الطاقة العالمي.
ونختم بالقول، بأن المملكة كانت قد وجهت، ومنذ زمن بعيد، بوصلتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لتحقيق هدف نبيل، وهو أن تصبح دولة محورية بشكل يجعلها قادرة على خدمة مجتمعها الدولي على تحقيق السلم والأمن والتنمية المستدامة. وقد حققت المملكة ذلك الهدف السامي، بفضل الله ثم بالتوجهات السديدة للملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين، بارك الله لنا في عمرهما.
وسيبقى هذا الوطن الكريم، ودوماً بإذن الله، ذا ريادة إقليمية ومكانة دولية رفيعة، بفضل الثقل الإستراتيجي، والدور المحوري، والتعاضد الوطني . حفظ الله ديارنا من كل سوء ومكروه.