هويدا المرشود
كنتُ أعتقد أن أفكاري ملكي، أنني أصوغ قناعاتي بحرية تامة. لكن ذات يوم، قرأت دراسة عن كيف يتم توجيه الرأي العام دون أن يدرك الأفراد ذلك، وكيف يمكن لخياراتنا أن تكون نتيجة برمجة مسبقة. لحظتها، بدأتُ أتساءل: هل نحن نمتلك أفكارنا، أم أن هناك من يزرعها داخلنا دون أن نشعر؟
التحكم في العقول ليس بالضرورة أن يكون قمعيًا أو مباشرًا، بل يمكن أن يكون ناعمًا، غير محسوس، لكنه فعّال. لا أحد يجبرك على تبني فكرة معينة، بل يتم تشكيل محيطك بحيث تبدو بعض الأفكار بديهية، بينما تُقصى أخرى حتى تختفي من دائرة تفكيرك.
تأمل كيف تصنع وسائل الإعلام اتجاهات الرأي العام، كيف تتحول شخصية معينة بين ليلة وضحاها إلى «نجم» محبوب، وكيف يصبح رأي معين هو «الصحيح» دون نقاش. هذه ليست مصادفات، بل هي عملية دقيقة لإعادة تشكيل القناعات.
يقول الله تعالى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) (الأنعام: 116)، في إشارة إلى أن الجماهير لا تعني دائمًا الحقيقة، وأن ما يشيع بين الناس قد يكون نتيجة تلاعب غير مرئي.
وعندما تتبنى فكرة دون تمحيص، اسأل نفسك: من المستفيد من هذه القناعة؟ من الذي وضع هذه الفكرة في الواجهة؟ في عصر المعلومات، من يملك القدرة على التحكم بالمصادر، يملك القدرة على التحكم بالعقول.
في الدعاية السياسية، على سبيل المثال، لا يُطلب منك تصديق كذبة صريحة، بل يتم إحاطتك بسيل من الرسائل المتكررة حتى تصبح لديك قناعة بأن هذا هو «الصحيح». في عالم الاقتصاد، تُخلق اتجاهات استهلاكية تدفعك للشراء دون أن تدرك أنك موجه نحوها.
ولكي تستعيد وعيك عليك بالتالي:
1 - مارس التفكير العكسي: لا تستهلك المعلومات كما هي، بل حاول قلب الطاولة على الأفكار السائدة واسأل: لماذا يتم تقديم هذه الرواية بالذات؟ من المستفيد؟
2 - الصمت أحيانًا أكثر فائدة من الضجيج: عندما تُغمر بالمعلومات، توقف قليلًا، ابتعد عن مصادر التوجيه، وأعد النظر في كل ما اعتدت على تصديقه.
3 - ارجع إلى الأصول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفض التسليم الأعمى بأي فكرة، يسأل، يتفكر، ويبحث عن الحكمة. الفطرة السليمة لا تحتاج إلى دعاية لتفرض نفسها، لكنها تحتاج إلى عقل واعٍ ليدركها.
اسأل نفسك قبل أن تفكر
المشكلة ليست فقط فيما أفكر؟ بل كيف وصلت إلى هذا التفكير؟ هل كانت هذه القناعة نتاج بحث وتأمل، أم أنها ببساطة تكررت أمامي حتى صدقتها؟
القرآن الكريم يضع لنا مبدأً مهمًا في البحث عن الحقيقة: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 111). ما لا يصمد أمام التحليل العميق، لا يستحق أن يكون قناعة راسخة.
الآن، توقف قليلًا، فكِّر: كم فكرة في رأسك هي حقًا ملكك، وكم منها زُرع داخلك دون أن تدرك؟