د. فهد صالح عبدالله السلطان
أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول.. الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة)
معالي الأمين العام للأمم المتحدة
تحية لكم جميعًا
أتمنى أن تصلكم رسالتي هذه والعالم جميعا ينعم بالأمن والأمان ورغد العيش الذي وعدنا فيه آباؤكم وأسلافكم عندما قاموا بتأسيس هيئة الأمم المتحدة في 25 أبريل 1945.
أيها القادة الكرام بداية أعترف لكم بأنني لست سياسيا، ولا أجيد لغة الساسة، ولذا فسأتحدث لكم من القلب حديثا أقرأه في أعين الكثير من شعوبكم.
إننا -شعوب الأرض- وبكافة اطيافنا أمم محبة للسلم والسلام والأمن والأمان، نطمح في العيش في بيئة آمنة سليمة محفزة للعمل وداعمة للإبداع والإنجاز. ولأننا نؤمن بأنكم وبما تتمتعون به من حكمة ودراية تؤمنون بقيمة وأهمية ما تشعر به شعوبكم تجاه ما يجري من أحداث عصرية مؤلمة بما فيها ما يحدث من إبادة لشعب بأطفاله ونسائه على مرأى ومسمع واطلاع من الجميع ومن الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها.
القادة الكرام اسمحولي بأن أذكركم بأن هناك تغيرا راديكاليا في قراءة الجيل الجديد لما يجري في العالم من أحداث سياسية وعسكرية.. لم يعد الإعلام التقليدي فاعلاً في إقناع هذا الجيل والتأثير عليه بالأفكار والأيديولوجيات التقليدية والسياسات المؤدلجة كما كان في السابق. معظم الجيل الجديد لا يطالعون إعلامكم.
في دراسة مسحية علمية أعدت في العام 2023 في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية أكدت أن جيل الشباب لم يتأثر بالإعلام التقليدي الذي في غالبه لا يطرح الصورة الحقيقية بقدر ما هو إعلام موجه يطرح سياسات تخدم أيديولوجيات واستراتيجيات محددة، وإنما أصبح هذا الجيل وبسبب التقدم التقني يتابع ويتأثر بما يطرح في قنوات التواصل الاجتماعي التي في معظمها تعكس الرأي العام، ومن ثم أصبح على العكس من الجيل السابق أقرب إلى معرفة الحق من الزيف.. وبالتالي فقد وقف هذا الجيل وبمعظم أطيافه - 80 % ممن شملتهم المسوحات- مع الحق الفلسطيني وحقوق شعب فلسطين على حساب إسرائيل التي يؤمن في معظمه بأنها دولة محتلة ظالمة.
الشيء المؤكد أنه لم يعد لدى الحكومات الكثير من الأدوات الإعلامية للتأثير على الشعوب وبقيت الحقيقة دون سواها تصل بسهولة بالغة إلى رجل الشارع وأستاذ الجامعة على حد سواء.
القادة الكرام لقد وصلنا نحن - شعوب هذا الكوكب - إلى قناعة تامة بأن الأمم المتحدة شاخت ولم تعد قادرة على تحقيق أهدافها التي تشمل وفقًا لنص ميثاقها «الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحفظ حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، ودعم القانون الدولي». بل ربما أصبحت عتبة للقفز على القانون الدولي وتخطي الأنظمة الدولية والأعراف الإنسانية، تطبق قوانينها غالبا على الضعفاء، ويرتقي عليها ويتخطاها الأقوياء. وتمثل عبئا على المجتمع الدولي بميزانيتها السنوية التي تزيد على 3 مليارات من الدولارات، فأصبحت مثار تساؤل وانتقاد من كثير من شعوبكم.
من أهم الأجهزة الرئيسة لهذا الكيان مجلس الأمن وهو أحد الأجهزة الرئيسية الستة فيها، ومن المفارقات العجيبة أنه ووفقا لميثاق الأمم المتحدة تم تأسيس مجلس الأمن بهدف «الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحفظ حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، ودعم القانون الدولي.» ولكن عندما تتعارض هذه الحقوق ويتعارض الميثاق مع رغبات أحد الأعضاء الدائمي العضوية فإنه يتم إغفالها وعدم إعطائها أي اعتبار، وقد بدا ذلك جليا في موقف المجلس من حرب الإبادة التي تم شنها على شعب بكامله، وعدم إعطاء أي اعتبارات لمحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية وقرارات الأمم المتحدة مما يؤكد ضعف النهج المؤسسي العالمي وعدم قدرته على إدارة الأحداث ونصرة المظلوم وتأصيل العدالة.
وقد كانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي تنبهت وأدركت أن المجلس لا يعمل بشكل موضوعي، ففي العام 2013، رفضت المملكة العربية السعودية قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، حيث أصدرت الخارجية السعودية بيانًا عللت فيه الرفض بالقول: «إن المملكة ترى أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين».
أيها القادة الكرام، في الوقت الذي وصل فيه المجتمع العالمي إلى مرحلة متقدمة من الحضارة في معظم الميادين العلمية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والصحية إلا أن صناع القرار العالمي مشغولون بالصراعات على حساب التنمية بمفهومها الشامل.
تشير الدلائل الإحصائية إلى أن الإنفاق العالمي على التسلح في العام 2024 بلغ (2.46) تريليون دولار يقابله مبالغ كبيرة جدا تصرف على إعادة إعمار ما خلفته الحروب وعلى المجاعة وعلى علاج المصابين وعلى الآثار الأخرى الناتجة عن تلك الحروب بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما بلغ مجموع الإنفاق العالمي على الصحة6.4.000.000.000 .
ومن المفارقات العجيبة أيضا أن الأمم المتحدة ومن خلال أذرعها تنفق على برامج تخفيف تبعات الحروب والصراعات كالمجاعة والأمراض والأوبئة والتخلف الاجتماعي وإعادة الإعمار أكثر مما تنفقه على برامج التنمية.. أي أنها تنفق على حل المشاكل أكثر مما تنفقه على التطوير، فهي تعمل على منهج يقوم على ردود الأفعال بدلا من المبادرات Reactive vs. Proactive. وهو منهج تقليدي عفا عليه الزمن، وهو اتجاه خاطئ وينبئ عن خلل كبير في المنهج والمسار، وكأننا ندور في حلقة مفرغة أي أننا نهدم ثم نقوم بإعادة إعمار ما تم هدمه!
القادة الكرام أملنا -كشعوب محبة للسلام- فيكم يتلخص فيما يلي:
أولاً: دراسة الوضع الحالي (as is ) لهذا الكيان وإعادة هيكلته (to be) بشكل جذري من حيث الأهداف والسياسات والأنظمة والحوكمة والإجراءات
ثانياً: إعادة النظر في الإدارة العالمية وإدارة المنظمات فوق الأممية.
حان الوقت لإعادة النظر في تبني نظام عالمي جديد وإدارة عالمية جديدة تختلف من حيث الشكل والمضمون والأهداف عن الكيان المؤسسي لهيئة الأمم المتحدة بوضعها الحالي، إدارة تستند على تأكيد مبدأ العدالة ووحدة المعايير والوقاية من الحروب والأزمات والصراعات قبل وقوعها لا على معالجة تبعاتها بعد حدوثها، كما هو الأمر حاليا.
ثالثاً: إعادة هيكلة مجلس الأمن بما في ذلك آلية اتخاذ القرارات والتصويت عليها وحق النقض (الفيتو)...إلخ. فمن الواضح أن هذا الكيان الذي أسس منذ قرابة قرن من الزمن لم يعد يتناسب ومعطيات الفترة الحالية ولم يعد مقنعا ولا مقبولا لدى معظم الشعوب، وحان الوقت لإعادة هيكلته من حيث الأهداف والآلية معا، فقد أصبح ذلك ضرورة لا خيارا إذا ما أردنا تحقيق الرفاه العالمي والتنمية البشرية بمفهومها الشمولي!
رابعاً: الاتفاق على تأسيس قوة دولية (جيش عالمي) قوي جدا لحفظ السلام يفوق قدرة جيش أي عضو بشكل منفرد.. ووضع نظام ينص على تجريم زيادة تسلح أي دولة بما يفوق قدرة الجيش العالمي.. حيث اتضح لكم من خلال الأحداث أن قوة السلاح تتفوق على المنطق وعلى قرارات ونظام الكيان الأممي الحالي.. ويبدو أن مقولة ونستون تشرشل «حيثما يصل مدفعك يصل صوتك» التي قالها قبل تأسيس الأمم المتحدة مازالت فاعلة.
وباختصار فأنتم أمام مسؤولية تاريخية سيبقى أثرها وتستمر تبعاتها ما بقي التاريخ.. وفي الوقت الذي ندرك فيه أنكم أهل للمسؤولية نذكركم بأن التاريخ لن يعفي المتقاعسين ومن يعملون لاعتبارات عرقية أو اثنية ...إلخ ولئن سلم المتقاعس من عتب التاريخ البشري فلن يكون بمأمن من العقاب الإلهي.
وفق الله الجميع