د. تنيضب الفايدي
إنّ يوم العَلَم السّعودي مثل يوم التأسيس السّعودي تماماً أهميةً وتأثيراً، فكلاهما مناسبة وطنية عزيزة على قلوب أبناء الوطن الغالي، ونظراً لأهمية هذه المناسبة حيث يعدّ العَلَم رمزاً للدولة والشعوب والوطن، ويعبّر عن الشموخ والعزّة والقوّة والمكانة والكرامة، كما يعبّر عن التكاتف والتلاحم الوطني والعمق التاريخي للوطن، فهو شاهد على توحيد السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، وسيرة من شاركوا في حملات التوحيد التي خاضتها الدولة السعودية، فقد صدر أمرٌ ملكي يقضي بأن يكون يوم الحادي عشر من مارس من كلّ عام يوماً خاصاً بالعَلَم الوطني باسم (يوم العَلم)؛ لأنّ في ذلك اليوم عام 1937م/ 1355هـ أقرّ الملك عبدالعزيز رحمه الله العَلَم بشكله الذي نراه اليوم بعد بعض التغييرات وهو يرفرف بدلالاته العظيمة. وفيما يلي نص الأمر الملكي: «انطلاقاً من قيمة العلم الوطني الممتدة عبر تاريخ الدولة السعودية منذ تأسيسها في عام 1139هـ الموافق 1727م، والذي يرمز بشهادة التوحيد التي تتوسطه إلى رسالة السلام والإسلام التي قامت عليها هذه الدولة المباركة ويرمز بالسيف إلى القوة والأنفة وعلو الحكمة والمكانة، وعلى مدى نحو ثلاثة قرون كان هذا العَلَم شاهداً على حملات توحيد البلاد التي خاضتها الدولة السعودية، واتخذ منه مواطنو ومواطنات هذا الوطن راية للعزّ شامخة لا تُنكّس، وإيماناً بما يشكله العلم من أهمية بالغة بوصفه مظهراً من مظاهر الدولة وقوتها وسيادتها ورمزاً للتلاحم والائتلاف والوحدة الوطنية».
إن يوم العلم السعودي يجسد الوحدة الوطنية بين جميع أفراد المجتمع ويؤكد على الترابط بين الماضي والحاضر، كما يعبّر عن انتمائهم للوطن وتاريخه العريق، وكذا القيم والمبادئ التي أرست عليها المملكة مثل التوحيد والعدل والمساواة والحرية، إن يوم العَلَم يعزز مشاعر الوطنية في نفوس الأجيال الحالية والقادمة، ويجدد العهد بالولاء للوطن وقادته ببذل الغالي والنفيس في سبيل رفعة الوطن وازدهاره وفي تحقيق طموحاته المستقبلية، فهذا اليوم فرصة لإحياء التراث الوطني ونشر الوعي بأهمية العَلَم وقيمته، وإبراز مكانة المملكة على الساحة الدولية، قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله: (إن الاحتفاء بيوم العلم يأتي تأكيداً على الاعتزاز بهويتنا الوطنية، وبرمزيته التاريخية ذات الدلالات العظيمة، والمضامين العميقة، التي تجسد ثوابتنا، وتُعد مصدراً للفخر بتاريخنا).
هذا اليوم له ارتباط وثيق بتاريخ الدولة السعودية الأولى التي أسست على يد الإمام محمد بن سعود عام 1139هـ/ 1727هـ أي: قبل ثلاثة قرون، وقد نحتفل به في 22 فبراير من كلّ عام، ففي ذلك الوقت تم رفع أول راية سعودية خضراء مكتوب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فعَلَمُ المملكة العربية السعودية علم متوارث بعد رحلة امتدت لثلاثة قرون، من الدولة السعودية الأولى ثم الدولة السعودية الثانية في أطوارها المختلفة إلى أن تم الاعتماد على العَلَم الذي في شكلها الحالي في عام 1932م، وكان هذا العلم شاهداً على أحداث توحيد البلاد.
أما عن دلالات العلم فهو مميز بلونه ومضامينه، فكلمة التوحيد ترمز إلى التوحيد والسلام والتسامح والعدل والأخلاق، وهي المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدولة السعودية، أما السيف فيرمز إلى القوة والعدالة وعلو المكانة والاستقرار، واللون الأخضر يدلّ على النماء والرخاء. وقد أشارت إليه دارة الملك عبد العزيز فقال: عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تعبر عن وحدانية الله وعلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله وخاتم النبيين، و(السيف) يرمز للعدل والقوة.
ويرجع استخدام الأعلام إلى عصور زمنية ساحقة في القدم، خاصةً في الحروب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ العلم أو الراية في غزواته وسراياه شعاراً لاجتماع الكلمة ووحدة الصف، وفي فتح مكة كانت عدة رايات حملها أصحابه، وفي وقتنا الحالي أصبح العَلم هو الممثل الأول والمتحدث الصامت.
وينفرد العَلَم السّعودي بين أعلام دول العالم بمميزات خاصة، منها: أن العَلَم السعودي هو العَلَم الوحيد الذي لا يتم تنكيسه أو إنزاله إلى نصف السارية أبداً، لا في حالات الحداد ولا في وقوع الكوارث والأحداث الكبيرة، ومن تلك المميزات أنه لا يلف على جثث الموتى من الملوك والقادة، ولا ينكس في المناسبات الحزينة، ولا يحنى لكبار الضيوف عند استعراض حرس الشرف، ويحظر استعماله كعلامة تجارية أو لأغراض دعائية تمس مهابته، كما أنه يحظر ملامسته للأرض والماء النجس والدخول به لأماكن غير طاهرة أو الجلوس عليه، وذلك لما يحمله العَلَم من دلالة دينية تعتز بالدين الإسلامي بإضافة كلمة التوحيد الإسلامية؛ لذا نجد أنه يحظى باحترام العالم الإسلامي لما يحمله من دلالات دينية، وما يرمز إليه من دولة كريمة مهتمة بشؤون العالم الإسلامي.
إن العلم السعودي يرفرف عالياً بشموخه منذ ثلاثة قرون، وسيظل شامخاً عالياً بإذن الله تعالى مع قوته وهيبته.