د.شريف بن محمد الأتربي
الاِحْتِطابُ: على وزنِ «افْتِعال»، مَصْدَرُ الفِعلِ احْتَطَبَ، يُقالُ: احْتَطَبَ، يَحْتَطِبُ، احْتِطاباً، أيْ: جَمَعَ الحَطَبَ، والحَطَبُ: ما أُعِدَّ مِنْ شَجَرٍ أو خَشَبٍ يَصلُحُ وُقُوداً لِلنّارِ، أو: هو كلُّ ما جَفَّ مِن زَرْعٍ وشَجَرٍ تُوقَدُ به النّارُ.
تُعتبر الطفولة المبكرة من أهم مراحل حياة الإنسان، حيث تتشكل خلالها الأسس النفسية والاجتماعية والعاطفية. تحتل هذه المرحلة أهمية خاصة في تطوير مهارات الأطفال وقدراتهم، لذا فإن أي تأثير سلبي قد ينعكس على مستقبلهم.
وجاءت التكاليف الإسلامية لتوضح السن الذي يبدأ فيه تعليم الأطفال، والسن الذي يعاقبون فيه على عدم أداء التكليف، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أولادكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ». (حسن) - (رواه أبو داود) - (سنن أبي داود - 495) وتعتبر سن الخامسة عشرة هي سن التكليف للمسلم، فقد ذكر الشيخ ابن باز- رحمه الله- في إجابة عن سؤال عن سن التكليف، حيث قال: سن التكليف خمس عشرة، إذا أكمل الرجل، أو المرأة خمس عشرة سنة فقد دخل في التكليف بالصلوات الخمس، وصوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة، وسائر التكاليف.
ورغم وضوح الصورة بشكل كامل أمام كافة الأعين، إلا أننا لازلنا نجد الدعوة إلى التعليم المبكر، والروضات المبكرة بداعي تعليم الأطفال، وتنمية مهاراتهم، وهذا الهدف رغم سمو ظاهره، إلا أن باطنه مهدد للطفولة، فانتزاع الطفل من مهده عنوة، وإخراجه من منزله وجره جرا إلى الروضة، هو شكل من أشكال احتطاب الطفولة المبكرة، والتي تشمل الاستغلال أو التهميش الذي يتعرض له الأطفال في هذه المرحلة.
قد يكون الفقر، التمييز، سوء التغذية، والعنف الأسري من أسباب احتطاب الطفولة المبكرة، أما أن نجعل من التعليم سببا لذلك فهو التناقض بجل عينه، بل قد يؤدي ذلك إلى تأخر في التعلم، ومشاكل صحية، وصعوبات اجتماعية.
حين تناقش المسؤولين عن التعليم عن أضرار التعليم المبكر تجدهم يقولون أنهم درسوا التجارب الخارجية، واستخرجوا منها أفضل ما فيها، وأن هدفهم تحقيق الهداف الاستراتيجية للدولة، وقد نسوا ذكر أن الدول المتقدمة ذاتها التي وضعت معايير التعليم واجبرت الدول الأخرى على الالتزام بهذه المعايير؛ هي ذاتها التي تعمل حاليا على تغيير هذه المعايير من خلال السماح لأطفالها باللعب واللهو حتى سن السادسة قبل الخوض في غمار حرب الحياة.
نعم، بعض دول أوروبا قد غيرت سياساتها التعليمية فيما يتعلق بالتعليم المبكر. على الرغم من أن التعليم المبكر يعتبر مهمًا، إلا أن بعض الدول لا تفرض التعليم الإلزامي حتى سن معينة.
فالدنمارك، التعليم في مرحلة الروضة ليس إلزاميًا، حيث يمكن للأطفال البدء في التعليم الإلزامي في سن 6 سنوات. والنرويج، التعليم الإلزامي يبدأ في سن 6 سنوات، مما يعني أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة ليسوا ملزمين بالالتحاق بالتعليم.، وفي فنلندا التي يتغنى العالم كله بنظامها التعليمي، التعليم الإلزامي يبدأ في سن 7 سنوات، مما يوفر للأطفال فرصة للعب والتفاعل الاجتماعي قبل بدء التعليم الرسمي.
هذه الدول تنتهج سياسة التركيز على اللعب، حيث هناك اعتقاد قوي بأن اللعب هو جزء أساسي من التعلم في الطفولة المبكرة، مما يساهم في نمو الطفل الاجتماعي والعاطفي. كما تنتهج سياسة المرونة، حيث تفضل بعض الدول منح الأسر حرية أكبر في اختيار كيفية تربية أطفالهم وتوجيههم في السنوات الأولى.
قد يؤدي عدم وجود تعليم إلزامي في الطفولة المبكرة إلى تفاوت في مستويات التعليم بين الأطفال، ولكن التركيز على اللعب والتفاعل الاجتماعي يمكن أن يكون له فوائد طويلة الأمد في التنمية الشاملة.
إجمالا قد تختلف السياسات التعليمية من دولة لأخرى، إلا أن هذه القرارات تعكس القيم الثقافية والاجتماعية لكل مجتمع.
إن احتطاب الطفولة المبكرة هو قضية تتطلب اهتمامًا جادًا من المجتمع كله من خلال توفير بيئة دعم ورعاية تمكننا من ضمان مستقبل أفضل للأطفال وتمكنهم من تحقيق إمكانياتهم الكاملة. لا يقتصر احتطاب الطفولة على الأطفال المشردين، ولا المستغلين في الأعمال والمهن اليدوية ذات الطبيعة القاسية؛ ولكن هناك أيضا احتطاب الطفولة المبكرة نتيجة الضغوط العائلية والمجتمعية على الطفل للحصول على التعليم المبكر دون النظر إلى حاجته البدنية والنفسية في اللعب والترفيه في هذه المرحلة المبكرة من حياته.
إن التوجه نحو إلزام الأسر بتعليم أطفالها مبكرا من خلال إلحاقهم بالروضات المبكرة سيؤدي إلى وجود جيل جامد المشاعر لا يعرف سوى القتال من أجل النجاح والتنافسية، مربوط في ساقية العمل منذ الولادة وحتى الوفاة، وهو ما يتنافى مع الدين والعرف وحتى كل القواعد الاجتماعية.