د. عبدالحق عزوزي
يصنف تقرير السعادة العالمي الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة كل سنة ما يزيد عن مائة وخمسين بلدا، وذلك وفقا لمسطرة دقيقة تأخذ بعين الاعتبار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والرعاية الاجتماعية ومتوسط الأعمار والكرم وغياب الفساد. والدول الأكثر سعادة غالباً ما تكون الدول الأكثر ثراء إلى مدى معين، إضافة إلى عوامل أخرى مساعدة مثل الدخل الإضافي والدعم الاجتماعي، وغياب الفساد.
ونتذكر أنه في يوليو 2011، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو الدول الأعضاء إلى قياس مقدار السعادة في شعوبها للمساعدة في توجيه سياساتها العامة؛ وفي 2 أبريل 2012، عقد الاجتماع الأول للأمم المتحدة رفيع المستوى حول «السعادة والرفاه: تحديد نموذج اقتصادي جديد». وصدر تقرير السعادة العالمي الأول في 1 أبريل 2012 كنص أساسي للاجتماع.
ويصدر مسح كل سنة، ودائما ما تأتي فنلندا والنرويج في المراتب الأولى. وتشمل قائمة الدول العشر الأكثر سعادة فنلندا، النرويج، الدنمارك، أيسلندا، سويسرا، هولندا، كندا، نيوزيلندا، السويد، وأستراليا.
وفي السنوات الأخيرة ولأول مرة منذ2012 عندما بدأ المؤشر، الذي يعتمد على العديد من منظمات قياس الرأي العام والبيانات الحكومية والمناهج البحثية، يصنف المؤشر سعادة المهاجرين المولودين في بلد أجنبي في 117 دولة.
وقال جون هليول الأستاذ بجامعة بريتش كولومبيا في كندا بمناسبة إصدار هذا التقرير أن «أبرز ما تظهره نتائج التقرير هو الاتساق الملحوظ بين سعادة المهاجرين وسعادة المولودين في بلادهم.» وأضاف «من ينتقلون إلى بلد سعيد يكسبون ومن ينتقلون إلى بلد أقل سعادة يخسرون».
عندما ألفت كتابي «لماذا تخلف العرب وتقدم الآخرون» دافعت عن فكرة مفادها أن هناك العديد من الأفكار والسياسات العمومية السهلة التي وإن طبقتها الدول والأمصار ستصل لا محالة إلى بر الأمان. فبالله عليكم ما يمنع العديد من الدول العربية من تطبيق مبادئ الثقة والصدق والتعاون وهي الفضائل والأخلاق التي سطرتها لنا شريعتنا السمحة ونزلت فيها آيات بينات؛ ولا نراها إلا نظاما للتعايش والتسيير ومن أهم الأسس التي دفعت دولا مثل النرويج والسويد والدنمارك لتمثل قائمة الدول الأكثر تفوقا على عكس الثقافات التي تسيطر عليها أفكار انعدام الثقة والتعاون.
المشكلة ليست في المرجعيات ولا النصوص الدينية ولا القانونية وإنما في الإرادة، نعم إنها الإرادة. ونحن نملك من النصوص الدينية السمحة ومن قواعد الوسطية والاعتدال ما يمكن أن نصبح أسعد الأمم وأغبطها، ولكن الإرادة الحقيقية للأسف الشديد غير متمكنة من القلوب والعقول.. فعندما تريد دولة بتعاون كل أفرادها أن تنظر إلى ذاتها وإلى مستقبلها، مدفوعة بروح الإيجابية والعقلانية الراشدة والتنويرية التي تتجاوز الصراعات والأسئلة الخاطئة والفاشلة والتقابلات العميقة، وعندما توازن بين الرؤية الثباتية والرؤية الحركية التي تشخص وتؤثر على الذات في نظرة تجمع بين التحليل والتركيب والنقد والإصلاح والمنهج والرؤية لبناء أسرة سعيدة ومجتمع سعيد ودولة سعيدة فإنها تزرع السعادة في عقول الجميع بطريقة تنويرية، وبأسلوب وهاج يبعث الحياة في شرايين الجسم.
عندما أشرح لأبنائي جنة وعثمان ونهى مسألة السعادة بدون فلسفة سياسية ولا تعقيد أسلوبي، أقول لهم ولكل الناشئة، بأنه شعور يجب أن ينبع من داخل النفس يجعلكم تحسون لا محالة بالرضا والغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة، قد تختلف نظرات الناس لها باختلاف طباعهم واهتماماتهم وتطلعاتهم وحتى مجتمعاتهم، ونحن كمسلمين يجب أن نجسدها ونسعى إليها في كل شيء فوق هذا الأرض بالعمل الجاد وبناء الأوطان، وبالصدق وحب الآخر أيا كان لونه وثقافته وانتماؤه الحضاري، وبالوسطية والاعتدال، وبترسيخ ثقافة الإيجابية كأسلوب حياة في الوطن، وبأن يتخذ الإنسان لنفسه كل الأسباب ثم يتوكل على الله، وبالاقتناع التام بأن كل ما يقدمه من عمل وخير للغير هي سعادة له في الدارين وسعادة ورفاهية للآخر والوطن، هاته هي السعادة ورمضان مبارك سعيد.