طلال حسين قستي
في كلمته أمام ملتقى التعليم «الاستثمار في التعليم 2025» أشار معالي وزير التعليم الأستاذ يوسف البنيان إلى دعم القيادة الرشيدة بتخصيص 200 مليار ريال لدعم قطاع التعليم، كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على تحقيق طموحات رؤية السعودية 2023 في قطاع التعليم بالاهتمام بالركائز الأساسية في العملية التعليمية وعلى رأسها المعلم.
وانطلاقاً من كلمة معالي وزير التعليم ومن رؤية الوزارة وهي: «تعليم متميز عالي الجودة بكوادر تعليمية مؤهلة لبناء مواطن معتز بقيمه الوطنية ومنافس عالمياً»، وفي ضوء هذه الرؤية المرتبطة بالجودة أشير إلى أنه من المعلوم أن إدارة الجودة الشاملة هي ثورة إدارية بالمفهوم العصري، وقد اتفق الخبراء والمختصون على تقديم تعريف لها، فقالوا إنها «إشباع المتطلبات والاحتياجات باستمرار»، فالجودة في بدايتها كانت تعني بالجوانب الإنتاجية والتسويقية المرتبطة بالخدمات والتجارة والبضاعة، ولكن مع تزايد الاهتمام أصبحت الجودة مطلباً أساسياً لكل أنواع الخدمات التي يحتاجها إنسان العصر، ولا ننسى هنا أن مؤسس فكر الجودة وليام إدواردز دمينج (1900 - 1993م) قال يصفها: «الجودة الجيدة لا تعني بالضرورة الجودة العالية، إنها تعني درجة معقولة يمكن التنبؤ بها من الالتزام والاتساق والثقة بجودة تناسب السوق».
واتفق الجميع في كل الأحوال على أن الجودة هي التحسن المستمر، وهناك مقولة لفيليب كروسبي (1926 - 2001م) صاحب الإسهامات الكبيرة في ممارسات إدارة الجودة هي: «الجودة مجانية»، والمعنى الضمني لهذه المقولة هو أن التحسن في الجودة ينبع من: تخفيض الإهدار -التخلص من إعادة القيام بالعمل- التخلص من الأنشطة التي ليس لها قيمة مضافة.
وتاريخياً تعبير «الجودة» سبق إليه ديننا الإسلامي الحنيف بقرون، فالجودة لغوياً مشتقة من الفعل أجاد أي أحسن، قال تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (سورة الملك - 2)، يقال: تكلم فلان فأجاد، أعمل فأحسن عملا، والخطاب النبوي الشريف يدعو بجلاء إلى الجودة التي هي الاتقان، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب من العامل إذا عمل عملاً أن يحسن»، و»إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
فالجودة إذن تعني الاتقان والإبداع، وهي تهتم بالكيف لا بالكم، وكما أسلفت فإن الجودة ارتبطت إجمالاً بالجوانب الاقتصادية والتنظيمية، ولكنها اليوم تأخذ أشكالاً مؤثرة كجودة الإدارة، وجودة التعليم، وجودة الصناعة، وجودة البيئة، وجودة الزراعة، وجودة الخدمات العامة.. الخ.
ومن الأفكار الجيدة التي اطلعت عليها منذ سنوات هي خطة وزارة التعليم في تبني استراتيجية للجودة الشاملة والاعتماد الأكاديمي، يتم تطبيقه على 4 مراحل في 6 إدارات تعليم و12 إدارة عامة بالوزارة، ولهذا الغرض أنشأت الوزارة في عام 2009 إدارة للجودة تهدف إلى رفع كفاءة النظام التعليمي، والحرص على تهيئة البيئة التربوية المحفزة للجودة والتميز عند المتعلمين والمعلمين على حد سواء، كما تعمل على تمكين المدرسة من قيادة عمليات التغيير والتطوير، بما يضمن خدمات تربوية وتعليمية نوعية لجميع شرائح المتعلمين والمتعلمات، وفقاً لاحتياجاتهم وما تسمح به إمكاناتهم، وسرعة تعلمهم في تطبيق الجودة الشاملة.
وقد خطت وزارة التعليم خطوة جيدة في هذا المجال، بتنظيم المؤتمر الدولي الأول للجودة الشاملة في التعليم العام في عام 2011م، دعت فيه منظمة اليونسكو إلى اعتماد تأسيس «مركز إقليمي للجودة والتميز في التعليم العام» يكون مقره المملكة العربية السعودية، وإلى تنظيم مؤتمر عالمي دوري في جودة التعليم العام، وتخصيص يوم عالمي للجودة في التعليم، لنشر ثقافة الجودة، والذي وافق التاريخ الذي أشرنا إليه سابقا، وبالفعل تم تأسيس المركز الإقليمي للجودة والتميز في التعليم في الجبيل عام 2014م بموجب الاتفاقية بين المملكة ومنظمة اليونسكو، ويأتي إشراف المملكة على هذا المركز انطلاقاً من دعمها لرسالة المنظمة لتعزيز كل ما هو إيجابي في حياة الشعوب.
(ولمن يرغب في الاطلاع على هذه الاستراتيجية باستزادة، يمكنه الرجوع لموقع الوزارة).
ومن المهم الإشارة إلى أنه تم إدراج قطاع التعليم، في جائزة الملك عبدالعزيز للجودة في دورتها الثالثة، وفي هذا المضمار سعت الوزارة إلى إعداد كتاب «تحسين بيئة التعليم لخدمة الحق في التعليم» ودمجه في المناهج الدراسية السعودية، وذلك بالتعاون مع هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
في هذا السياق يقول أحد خبراء الجودة في التعليم عن أهمية إدارة الجودة في العملية التعليمية:
- إنها سمة من سمات العصر الحديث - ارتباط الجودة بالإنتاجية وتحسين الإنتاج - اتصاف نظام الجودة بالشمولية في كافة المجالات - عدم جدوى بعض الأنظمة والأساليب الإدارية السائدة في تحقيق الجودة المطلوبة - تدعيم الجودة لعملية تحسين المدرسة - أما المبادئ التي ترتكز عليها إدارة الجودة الشاملة فهي:
- التركيز على التعرف على احتياجات وتوقعات المستفيدين (الطلاب والطالبات) والسعي لتحقيقها من خلال إعداد استراتيجية تحسين الجودة (وهو الأمر الذي خططت له الوزارة).
- التأكيد على أن التحسين والتطوير عملية مستمرة، مما يستلزم تحديد معايير أو مستويات للجودة.
- التركيز على الرقابة بدلاً من التفتيش.
- التركيز على العمل الجماعي (فريق العمل).
- اتخاذ القرارات بصورة موضوعية بناء على الحقائق.
أما عن دور المدرسة التي تعتمد الجودة كنظام إداري فيقول:
- يجب تشكيل فريق الجودة الذي يشمل فريق الأداء التعليمي واعتبار كل فرد في المدرسة مسؤولا عن الجودة.
- تحديد معايير الأداء المتميز لكل أعضاء الفريق السابق.
- سهولة وفعالية الاتصال.
- تطبيق نظام الاقتراحات والشكاوى وتقبل النقد.
- تعزيز الالتزام والانتماء للمدرسة.
- تدريب المعلمين باستمرار وتعريفهم على ثقافة الجودة لرفع مستوى الأداء المهني.
- نشر روح الجدارة التعليمية.
- الثقة والصدق والأمانة والاهتمام بالطلاب.
- تحسين مخرجات التعليم.
- العمل على إعداد شخصيات قيادية من الطلاب وزيادة مشاركاتهم في العمل المدرسي.
- مساعدة المعلمين على اكتساب مهارات جديدة في إدارة الموقف الصعبة والتركيز على الأسئلة التفكيرية.
- تعزيز السلوكيات الإيجابية واستثمارها والبناء عليها وتعديل السلوك السلبي، سواء كان صادراً من المعلمين أو الطلاب، وذلك باعتماد أسلوب توجيهي وإرشادي مناسب.
* * *
تحديات تواجه تحسين بيئة التعليم في المملكة
ولأن وزارة التعليم في بلادنا واستلهاما والتزاماً منها برؤية السعودية 2030 وضعت خططها، وتسير بشكل منتظم نحو الوصول إلى النتائج المرجوة من تبني استراتيجية للجودة الشاملة، والاعتماد في التعليم، فمن المتوقع أن عمليات مراحل التحسين ستستغرق وقتاً قد يمتد لسنوات، حتى تظهر النتائج المأمولة، أعتقد أن الصعوبات التي ستواجه عملية أو مهمة تحسين بيئة التعليم في المدارس الحكومية ليست بالسهلة على الإطلاق.
إن تحسين بيئة العملية التعليمية كما أسلفت قد يستغرق وقتاً زمنياً طويلاً، ويحتاج جهوداً متواصلة لتخطي الصعوبات التي تواجه تحسين بيئة التعليم، وهي من وجهة نظري كالتالي:
- عدم اكتمال البنية التحتية للتعليم المدرسي، حيث ما زالت المؤشرات الرسمية تشير إلى أن الزيادة في أعداد المباني المدرسية المهيأة للعملية التعليمية، لا تتفق مع الزيادة في أعداد الطلبة والطالبات، وهو ما يؤدي إلى اكتظاظ الفصول وبالتالي عدم القدرة على إيصال المعلومات بصورة مريحة لجميع الطلاب، مما ينعكس على مستوى التحصيل.
- الزيادة المخصصة لكل شعبة ولكل معلم يفوق المعيار العالمي، فالمعيار العالمي لمعدل عدد الطلاب في كل فصل هو (25) ومتوسط معدل الطالب لكل معلم على مستوى الدول المتقدمة هو (14)، والدول النامية (28) والدول العربية (22) علما بأن المدارس الأهلية العالمية تلتزم بهذه النسبة).
- بعض المباني المدرسية المستأجرة تفتقر إلى المتطلبات الأساسية لبيئة التعليم، والتي انخفضت نسبتها إلى 22 في المائة أي أن 22 في المائة من الطلاب لا يتمتعون بحقهم في التعليم السليم كبقية أقرانهم.
- صعوبة تحسين بيئة التعليم المادية وصيانة المدارس وتعقيمها ونظافتها، بالإضافة إلى اعتماد نظام الفترتين لقلة المباني المدرسية.
- ضعف الاهتمام بالثقافة المهنية في المرحلة الثانوية وبالفنون والرياضة.
- نقص الكوادر التعليمية المؤهلة.
- مشكلات النقل والتعيين والتثبيت على وظائف رسمية، يسبب الكثير من الإحباط للمعلمين والمعلمات.
- زيادة أعداد المدارس الأجنبية والأهلية التي تغري أولياء الأمور لإلحاق أبنائهم بها، رغم ارتفاع أسعار القبول بها بحجة أنها مدارس عالمية.
- الاهتمام بالجوانب التربوية والسلوكية والأخلاقية والاستفادة من وجود مادة للتربية الوطنية تخدم هذه المجالات.
وبعد، أسأل الله أن يوفق وزارة التعليم في جهودها المتواصلة لتحسين بيئة التعليم العام، فالمهمة صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً، ولكن إرادة المخلصين قادرة بإذن الله بدعم من القيادة الرشيدة على تخطي الصعاب.
وبالله التوفيق،،،،
** **
ماجستير إدارة الجودة - رئيس تحرير مجلة المبتعث بأمريكا سابقا