د. محمد بن أحمد غروي
يطل رمضان على الأرخبيل بروحانية تغيّر من عادات الناس وتقاليدهم خلال العام يشعر بها غير المسلمين أيضًا. ففي شهر رمضان المبارك، تستقبل شعوب دول جنوب شرق آسيا رمضان بعادات متوارثة تجمع أطياف المجتمعات المختلفة، وتعزِّز من الترابط بين الأفراد وتنشر أجواء البهجة والروحانيات في دول آسيان.
في ماليزيا، يُعد اليوم الأول من شهر رمضان عطلة رسمية في ولايات ملاكا وجوهور وقدح. فمن التقاليد الماليزية في رمضان تصنيع وتوزيع وجبة «بوبور لامبوك»، وتُطهى العشرات من الأوعية الضخمة من قبل أعضاء لجان المساجد.
وفي تايلاند، التي يُعد المسلمون فيها أقلية في جنوبها ويشكلون 5 % من السكان، يرتبط شهر رمضان بافتتاح مساجد جديدة أو تجديد وتزيين المساجد القائمة، وخاصة في المحافظات الجنوبية، حيث يقيم أغلب المسلمين. ويبدأ استعداد المسلمون في تايلاند لرمضان غالبًا في شهر شعبان بمسابقات حفظ القرآن الكريم، ويُحتفل بمن أكملوا حفظ القرآن مؤخرًا ويُكرِّمون في بداية شهر رمضان، ويُمنح العديد منهم شرف إمامة الصلاة وتلاوة القرآن في المساجد خلال هذا الشهر المقدس. ويعكس هذا التقليد الفخر والاحترام الذي يكنه المجتمع المسلم في تايلاند للدراسات القرآنية ويشارك فيها غير المسلمين فرحة بني بلدتهم مشاركين احتفالات ختام الشهر الكريم.
أما في كمبوديا ذات الأقلية المسلمة أيضًا، يبرز الشهر الكريم ببركته فيفترش أهل الحي الحصير في الطرقات قبل المغرب، مشاركين ذويهم طعامهم، وتنتشر الإفطارات الجماعية بالمساجد معتمدة على أهل الخير. وكذلك من مظاهر شهر رمضان، تنظيم إفطار جماعي للمسلمين تشارك فيه الحكومة والآلاف من المسلمين حول العالم في عادة سنوية تظهر الوئام بين المجتمع الكمبودي والتسامح الديني.
وتشهد بروناي مظاهر احتفالية كبيرة، خاصة مع حلول شهر رمضان، حيث تُجهز الأسر منازلها قبل بدء شهر الصيام. وبمجرد ثبوت رؤية هلال رمضان، يخرج السكان إلى الشوارع مرددين هتافات التهليل، وتُعلق زينة رمضان وتُضاء الفوانيس الكهربائية أمام المنازل. ويسهر الناس كل ليلة خلال شهر رمضان، ويخلدون إلى النوم بعد السحور وأداء صلاة الفجر.
كما أن من التقاليد المميزة في بروناي أن المحلات التجارية والمطاعم تغلق نهارًا وتفتح بعد الإفطار، حيث يستغل المسلمون شهر رمضان في العبادة والدعاء لطلب العفو والمغفرة من الله. ويحرص المسلمون في بروناي على عقد التجمعات في المساجد بعد صلاة التراويح لقراءة سورة من القرآن الكريم كل ليلة.
أما في إندونيسيا المعروفة بثقافتها الغنية وتقاليدها المتنوعة، لدى السكان في جاكرتا عدد من التقاليد التي يحافظون عليها حتى اليوم؛ أحدها هو تقليد نيوروج، أو إعطاء طرود الطعام لأفراد الأسرة الأكبر سنًا، سواء كانوا آباءً أو أقارب يعيشون في منازل مختلفة أو شخصيات محلية. تقليد نيوروج ليس مجرد نشاط إرسال الطعام، بل ينبع التقليد في الترحيب بشهر رمضان باعتباره شكلًا من أشكال الاحترام وتوطيد الصداقة لتعزيز روابط الأخوة بين الناس.
كما يكثر في إندونيسيا تناول الإفطار الجماعي في المجتمعات غير المسلمة بإندونيسيا لتتشارك به مع المسلمين من جيرانهم وأصدقائهم. ومن أكثر الأنشطة التي يتم تنفيذها بشكل متكرر هو الانفتاح معًا. ويساهم هذا التقليد في تعزيز روابط الصداقة، كما أن الحماس الكبير للجمهور في حدث الإفطار هذا يعمل أيضًا كدعامة للتسامح بين المجتمعات الدينية. وغالبًا ما يتم جدولة الإفطار معًا، والذي يُعرف غالبًا باسم «البوكبر»، كلحظة للقاء ومشاركة الأخبار.
رمضان هو مناسبة جميلة في الأرخبيل تظهر جمال الشهر وروحانيته وسط تناغم بين المجتمعات. واستقبال الشهر الفضيل من خلال تلك العادات المرتبطة به هو فرصة لتربية النشء على التفاهم والانسجام واحترام تقاليد دينية توارثتها الأجيال منذ قرون.