فضل بن سعد البوعينين
منذ إطلاق حملة مكافحة الفساد الأولى، والمملكة عازمة على تجفيف منابع الفساد ومستنقاعته، و تعزيز النزاهة، وردع كل من تسول له نفسه ارتکاب جرائم فساد، والتعامل معها بشفافية مطلقة، وتعزيز الرقابة، وإرساء قواعد المحاسبة العادلة، وإصدار أنظمة تسهم في استعادة الأموال المنهوبة والعوائد الناجمة عنها من خلال تسويات مالية منضبطة بتشريع واضح، يسهم في إسترجاع الأموال والأراضي المكتسبة بطرق غير مشروعة.
فإلى جانب الرقابة المكثفة، وتتبع قضايا الفساد القديمة التي كبدت خزينة الدولة مئات المليارات، وسوغت للفاسدين الإستيلاء على مئات الكليومترات من الأراضي الحكومية دون وجه حق، قدمت القيادة جزرة التسويات المالية لكل من أراد أن يبريء ذمته من المال الحرام، أو أراد تجنب القضايا التي سترفع عليه لاحقا، بعد كشف هيئة الرقابة ومكافحة الفساد جرائمه، وعوائدها المالية، أو آليات تملكه العقارات المشبوهة.
قد يكون الخوف من القضايا القانونية، والمحاسبة، والعقوبات المغلظة من محفزات طلب الفاسدين للتسويات المالية، غير أن هناك آخرين ممن صحت ضمائرهم بعد أن شارفوا على توديع الحياة، فأيقنوا أن حساب الآخرة قادم لا محالة، فبحثوا عن طريقة آمنة، تضمن سرية التقاضي، والتحلل من أموال الحرام، وتبرئة ذممهم بإعادة أموال الدولة وأراضيها إلى الخزينة العامة.
صدور أمر خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز بالموافقة على قواعد إجراء التسويات المالية مع من ارتكبوا جرائم فساد من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية، فتح الباب أمام المبادرين لتطهير ذممهم مما لحق بها من درن الفساد، ولحماية أنفسهم من تحريك قضايا قانونية ضدهم، و إعادة الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة إلى خزينة الدولة لإستثمارها في مشروعات التنمية.
التسوية خارج المحكمة، من أدوات المعالجة المتوافق عليها بين أطراف القضية، ومن خلالها يمكن أن تُحل الكثير من النزاعات بأنواعها، وفي فترة زمنية قصيرة، إذا ما قيست بزمن التقاضي الطويل، خاصة في القضايا المالية المتشعبة التي تحتاج إلى وقت وجهد وتتبع خيوط القضية لفترات طويلة، كما أنها تضمن تحقيق العدالة الرضائية التي تحقق النتيجة المنشودة، باسترجاع الحقوق والمال العام، مع الأخذ بالرحمة والعفو عن المبادرين الذين تجري التسوية معهم، وهو ما تضمنه الأمر الملكي القاضي بالموافقة على قواعد إجراء التسويات المالية مع من ارتكبوا جرائم فساد من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية.
المحافظة على سرية بيانات المبادرين بإجراء التسوية وعدم الكشف عنها لأي جهة كانت، و إعفاء الفاسدين من تحصيل نسبة الـ (5 %) عن كل عام، من مجمل الأموال المستردة لكل من بادر بتقديم طلب التسوية إلى الهيئة في مدة لا تتجاوز سنة من تاريخ صدور هذه القواعد، ووقف السير في الدعوى على من يوافق بإجراء تسوية ممن تُجرى محاكمته حاليًا بعد اتخاذ ما يلزم في شأنه، وتعليق الأحكام الصادرة أو التي ستصدر في حقهم في حال تقديمه للبيانات الشاملة وتحقيقهم لمتطلبات التسوية المالية، من المحفزات المهمة لمبادرة مرتكبي جرائم الفساد، بطلب التسوية المالية، واغتنام فرصة التحلل من المال الحرام، وشراء حريتهم برد المال المكتسب بطرق غير مشروعة.
التسويات المالية، فرصة مواتية لكل من تورط في قضايا فساد، وأضر بنفسه وبوطنه، لتصحيح أوضاعه بطريقة نظامية، وللتطهر منها ومن عوائدها المالية القذرة، أو مكاسبها المحرمة شرعا وقانونا، وللاستفادة من النظام في عدم تحريك الدعوى الجزائية بحقهم حين مبادرتهم بطلب التسوية المالية في جرائم الفساد المالي التي ارتكبوها قبل صدور الأمر الملكي.
فالدولة مهتمة باستعداة الأموال والأراضي الحكومية المنهوبة وهي من مستهدفات قواعد إجراء التسويات المالية، مع اهتمامها بتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، وتحويل النزاهة إلى ثقافة عامة تسهم في بناء مجتمع قائم على العدالة في جميع القطاعات، و لتكون الرقيب الأول على المال العام، وتحصين المجتمع من تداعيات الفساد المعطل للتنمية، والمتسبب في غياب المنافسة، والهدر المالي، الأزمات المالية والاقتصادية.