أحمد المغلوث
كانت ليلة الجمعة من كل أسبوع ليلة مميزة كونها تحظى بنصيب الأسد من اهتمام حضور الأقارب والجيران، والذين كانوا يحرصون على معرفة ماذا سوف يعرض تلفزيون الظهران من برامج في هذه الليلة، فالبعض من معارفهم وأقاربهم يعملون في أرامكو، وبالتالي فهم أكثر معرفة من غيرهم في هذا المجال، وكانت أم عبد العزيز قد أعطت أم سعد العاملة لديها حال وصولها إلى البيت في ضحى الخميس وقبل أن تضع «عباءتها» مدت يدها إليها بعشرة ريالات لشراء مجموعة منوعة من المكسرات لزوم سهرة الليلة، فلا تطيب السهرة إلا مع «التسالي» واحتساء الشاي والقهوة، وحتي شراب الليمون الحساوي بالزعفران والزنجبيل، وراحت توصيها محذرة من أن تشتري مكسرات قديمة من رجيع (القرقيعان) بل أكدت عليها بلطف بأن تتذوق المكسرات وحتي الفصفص. والنخج ولا تشتري نوع «تهم»، وراحت تربت علي كتفها: خلينا نتجمل مع ضيوفنا وضيفاتنا الليلة. سامعة يا أم سعد الله يسعدك.. فتبسمت أم سعد وبان لامعا سنها الذهبية التي دفعت قيمته سيدتها أم عبد العزيز.. ردت عليها وهي تهز رأسها فتبعثرت خصلات من شعرها الأسود الناعم على كتفها وقالت أبشري بسعدك مالك إلا الطيب ياعمتي، بخطى سريعة ارتدت عباءتها وخرجت.
لم يكن سوق قيصرية المبرز بعيداً عن البيت، وما هي إلا نصف ساعة وإذا بأم سعد تعود خالية الوفاض وقالت لسيدتها: الحجي الجوهر أشهر تاجر في القيصرية طلب مني ارجع له بعد صلاة العصر عنده مكسرات جديدة جايته من الشام، هزت أم عبدالعزيز رأسها وهي تردد: زين، زين الجوهر كل بضاعته جواهر، أسرعت أم سعد وعلقت عباءتها على مشجب الرواق، واتجهت إلى المطبخ لمساعدة سيدتها في إعداد وجبة الغداء، وكذلك ما تتطلبه سهرة الليلة، وفي هدوء ودقة أخذت تعد عجينة «اللقيمات» وبعد صلاة العصر توجهت أم سعد إلى دكان «الجوهر» والذي أحضر لها ما طلبته في الصباح.
عادت به سريعا، وكان قد وضعه في كيسة ورقية مصنوعة من باطن أكياس الأسمنت النظيفة، وصادف عودتها وجود بعض الأبناء في رواق البيت يلعبون لعبة «الكيرم» وشاهدوا «الكيسة» الكبيرة وتصايح البعض منهم: في بيتنا مكسرات، في بيتنا مكسرات، وهناك من قال: عسى فيه فستق وكاجو وآخر تمنى لو فيه بيض الصعو.. وكل منهم راح يمني نفسه بشمولية المكسرات للنوعية التي يحبها، وفي المساء وقبل حضور الضيوف أحضرت والدتهم الأطباق التي سوف تضع فيها المكسرات ووجدت أن الكيسة سبق فتحها بطريقة «عبثية» وراحت تنادي من اللي فتح الكيسة.. من اللي فتح الكيسة ويا ويله من عذاب الله، وأضافت: ألا تعلمون أن الله يعاقب كل من يقوم بتصرف خاطئ، ويمد يده بدون استئذان؟ وراحت تعدد أنواع الأحاديث، وتحكي لهم العذاب الذي ينتظر الفاعل، وكيف سوف يكون مصيره، وسوف تنمو بعض المكسرات داخل معدته. وتكبر وتكبر وتطلع بعد أيام من أذانه وحتى خشمه، وربما خرجت من جلده على شكل «دمامل» وقبل أن تكمل كلامها المخيف إذا أحدهم يقول وهو يرتجف من الخوف سامحيني يايمه أنا اللي فتحت الكيسة، بس والله العظيم ما أكلت إلا شوي فصفص وثلاث حبات فستق بس، وراح يضيف وهو يمسح دموعه بكف يده الله يخليك يايمه سامحيني عندها أمسكت بيده وهي تداري ابتسامة محببة وتقول: طيب من أكل الكاجو، وإذا بوالدهم يرد باسما والذي خرج من غرفته أنا اللي فتحت الكيسة وأكلت الكاجو وقليل من الفستق بس.. السموحة يا أم عبد العزيز.