د.محمد بن عبدالرحمن البشر
حل ترامب في البيت الأبيض الذي يعرفه جيداً بعد أن أزاح من أزاحه عنه قبل أربع سنوات، وهكذا هي الأيام دول حل وارتحال، حتى يرتحل الإنسان من هذه الدنيا، ويبقى إرثه شاهداً له أو عليه، وقد علمنا التاريخ الكثير، وتعلمنا منه القليل، وليس بالضرورة أن ما تركه لنا التاريخ هو حقيقة ما وقع، فلا شك أن من ترك لنا الإرث التاريخي، تركه وهو يحمل بعض الحقيقة، أو كلها، أو القليل منها، أو أنه شوهها، طبقاً للظروف السياسية التي سطر فيها قلمه عباراته، وأيضاً أهواءه واتجاهاته، وحقده أو طمعه، وهذا كله قد نجده في بيت من الشعر كتبه ابن وهبون الأندلسي بعد مقتل الوزير بن عمار من قبل المعتمد بن عباد، والشاعر ابن وهبون كان جليساً لابن عمار فترة وزارته، وابن عمار اعتاد أن يغدق عليه الأموال، وعندما قتل المعتمد وزيره ابن عمار، قال ابن وهبون يصف موقفه:
عجباً له أبكيه ملء مدامعي
وأقول لا شلت يمين القاتل
فهو يبكي صديقه غير أنه لا يستطيع إلا أن يصفق للمعتمد خوفاً وطمعاً، ودعونا نورد بيتين لابن وهبون للترويح عن النفس بدل جفاف الحديث عن السياسة، يقول:
غزال يستطاب الموت فيه
ويعذب في محاسنه العذاب
يقبله اللثام هوى وشوقاً
ويجني ورد خديه النقاب
وللفائدة، فإن الواو والنون عند الأندلسيين للتفخيم، فوهب يضيفون إليه واواً وكذلك نوناً، فيصبح وهبون.
نعود لموضوعنا لنذكر أننا قد عرفنا الكثير عن ترامب في فترته الأولى، لكنه قد عاد بعد تجربة وألم أيضاً بسبب الأعداء والأصدقاء والمنافسين، وتحدث في حفل التنصيب بنشوة ظاهرة، وحماس كبير، واندفاع غير محسوب، واستفاد من أخطاء سلفه، وصرح بتنفيذ الكثير مما وعد به أثناء حملته الانتخابية، وعلى رأسها ترحيل المهاجرين غير النظاميين، وأعطى أمراً رئاسياً تنفيذياً بمنع منح الجنسية لأبنائهم إلا أن القضاء قد أوقف الأمر لمخالفته الدستور، وركز على وقف الحروب بدءاً من غزة ولبنان، ومحاولة إيقاف الحرب المدمرة بين روسيا وأوكرانيا المدعومة بكل قوة من الاتحاد الأوروبي بأغلبه، والإدارة الأمريكية السابقة، ومن يمشي خلف الغرب مثل اليابان، وكوريا، وغيرها، وأكد دعمه المطلق لإسرائيل، ومقارعته الصين.
ومن ملامح سياسة ترامب في الاقتصاد وضع تعريفات جمركية على الواردات من الصين، وأوروبا، وكندا والمكسيك، وتخفيض سعر الفائدة لتحفيز الاقتصاد، والسعي لخفض أسعار النفط، حتى يقلل من التضخم الذي قد ينتج من تسريع خفض الفائدة، وأعطى تحفيزاً كبيراً للذكاء الصناعي بدعم قد يصل إلى نصف ترليون، وهذا يتطلب زيادة في استهلاك الطاقة، ولهذا فقد سمح بمزيد من التنقيب عن النفط الأحفوري والصخري، وفتح التنقيب في القطب الشمالي دون الالتفات إلى تأثير ذلك على البيئة، فكان قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ من أول القرارات التي اتخذها بذريعة أن الصين لم تلتزم بها، رغم علمنا المسبق عدم قناعته بها.
وقد غير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وهدد بأخذ قناة بنما بحجة أنها أصبحت مملوكة للصين، ومن ملامح سياسته اهتمامه بأمريكا اللاتينية، حيث أرسل وزير خارجيته إلى بعض الدول هناك في أول زيارة له كمؤشر عملي على اهتمامه بها، وهناك الكثير مما لا يمكن حصره في هذه المقالة.