د.شريف بن محمد الأتربي
انطلق في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر الماضي الأولمبياد العالمية للروبوت WRO في دولة تركيا الشقيقة، واستمرت لمدة ثلاثة أيام متواصلة، شارك فيها ما يقارب من 90 دولة، و562 فريق في مسارات المسابقة الأربعة: مهام الروبوت، رياضة الروبوت، مبدعو المستقبل، مهندسو المستقبل. بلغ عدد المسجلين في المؤتمر أكثر من 3500 حاضر من كافة بقاع العالم، جاءوا ليقدموا للعالم أفكاراً وحلولاً جديدة لمشاكله التي لم يتسببوا فيها ولكنهم أحسوا بها، وفرض عليهم إيجاد حلول لها، وإلا لن يطيب لهم العيش في هذا الكوكب المترامي الأطراف، المتشابك في المشكلات المعقد حلها سوى بعقول يافعة، جاءت بغير إرادتها لعالم أفسده من سبقهم بداعي التطور والعمران، وهو في الواقع تدمير للبنيان، حتى صار العالم كله يتحدث بنفس اللغة، ونفس الكلمات، الاحتباس الحراري، تقلّص الرقعة الخضراء، التصحّر وغيرها من المشكلات التي تنامت نتيجة الصراعات والاختراعات المؤذية لبني آدم وقبيلته، وحيوانات نوح الذين ركبوا سفينته.
وفي خضم هذه المشاكل المتكالبة، والعقول المترهلة، جاء من خلف الستار جيل جديد يحمل مشعلاً من الضوء ليس في منتصف الطريق ولا النفق، ولكن في آخر الغسق، قبل فوات الأوان والبكاء على ما كان، وتصبح البشرية في طي النسيان، جاءوا بأفكار جديدة، ومشاريع سديدة، تسد فجوة الاستهلاك، وتعيد الماضي السعيد، وتؤهلنا لعالم جديد هم فيه سادة العلم ومفاتيح تحقيق الحلم، ولمَ لا وهم أبناء العلم والمعرفة والثقافة المختلفة غير المتخلفة، كل هؤلاء اجتمعوا معاَ ليقولوا لنا نحن هنا.
وفي ظل الزحام الشديد أطلقت بصري جيداً لأرى أبناء رؤية ابن سلمان ينيرون المكان، يصيحون بأعلى صوت نحن السعوديين قادمون، نحمل لكم الحلول الممكنة لمشاكل العالم المزمنة، شاهدوا أفكارنا وقلّدوها، وصمّموا حلولاً تقتدي بها، نحن أبناء رؤية 2030، جئنا عبر آلاف الكيلومترات لنقول للعالم أجمع: السعودية غير.
ثلاثة أيام من السعادة مع أبناء الوطن الكرام أكثر من 60 طالباً وطالبة ومشرفاً ومشرفة ومدرباً ومدربة، جمعهم حب الوطن ورايته، والولاء والبراء لقادته، جاءوا ليبرهنوا للعالم أن السعودية هي العالم.
لم تكن المنافسة سهلة أبداً، فباقي الفرق جهّزت وتجهّزت قبل شهور عديدة ومنافسات كثيرة، ونحن جئنا بعد شهر وقليل من انتهاء التصفيات الوطنية لاختيار أبناء الوطن وسفرائه في هذا المحفل العالمي، لم يكن الوقت كافياً، ورغم ذلك تغلب عليه أبناؤنا، لم يجعلوه حجة عليهم، بل أخذوه دافعاً لهم، واستقر في وجدانهم أن الفوز ليس هو الغاية في حد ذاته، بل إن رفع الراية الخضراء ونشيد سارعي للمجد والعلياء لا يقدَّر بأي ميدالية حتى ولو كانت الذهبية.
ثلاثة أيام وأهازيج طلابنا لم تتوقف، واسم السعودية في كل الأذن يهمس، عاش الملك للعلم والوطن. تجربة جميلة وخبرة جديدة، تُضاف لسجل الخبرات، سيعتمد عليها أبطالنا فيما هو آت، ووسط هذا الحماس المنقطع النظير كان للسعودية حضور من نوع آخر، حضور الراعي الكبير، الملهم لكل جيل حضور أرامكو السعودية، بجناح كبير استقطب الآلاف من البشر، اطلعوا على خبرات الشركة في مجالاتها العديدة، وحلوها ومنتجاتها الجديدة، وكان من المشرف رؤية هؤلاء الشباب المفعمين بالحيوية والحماس، نائب رئيس الشؤون العامة في الشركة المهندس خالد الزامل، واستقباله استقبال الفاتحين من قبل المنظمين، وكلماته المادحة للحاضرين، والبنت السعودية الشاطرة في عملها كأنها تغزل قطعة من الصوف وتقدمها لضيوف المملكة، هديل العيسى نموذج البنت السعودية في عصر سلمان وعضيده أبي سلمان.
في نهاية المطاف فاز من استحق، ولم يكن هناك خاسرون، بل الجميع حضر، ومن نهر العلم نهل، ليتجدد اللقاء -بإذن الله - في 2025، ونكون نحن الفائزين، ولمَ لا فنحن نستحق الذهب وزيادة، لهؤلاء الأبطال الذهبيين الذين تناثرت دموعهم أسفاً لا لعدم الفوز، ولكن رغبة في رفع راية الوطن.
وفي الختام، لا بد أن نتذكّر جميعاً الدور الكبير الذي تلعبه بعثتنا الدبلوماسية في كل مكان من هذا العالم، فقد نالت البعثة الرعاية الكريمة والمتميزة من سعادة السفير فهد بن أسعد سفير خادم الحرمين الشريفين لدولة تركيا والذي منح البعثة كل الدعم وأرسل سعادة المستشار الخلوق يوسف جزار ليشارك أبناءنا كل مراحل المسابقة حتى الختام، وكان أجمل ختام حين تقدَّمت واحدة من الطالبات تطلب منه ألا يحزن لعدم تحقيق مراكز متقدِّمة وهي تكاد تبكي فأبكتنا جميعاً لما لمسناه منها من مشاعر صادقة، فما كان من سعادته إلا أن واساها بكلمات جميلة ومشاعر فيَّاضة قائلاً: اليوم شاركنا ولم يحالفنا الحظ وغداً -بإذن الله - سنكون نحن الأفضل، هكذا نحن السعوديين لا يوجد في قاموسنا كلمة اليأس.