د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
أتوقع أنه لابد، وأن يكون موضوع تأسيس منظمة رفيعة المستوى والأهمية، تعنى بموضوع»المعادن الإستراتيجية» «strategic minerals/commodities قد طرح في كواليس مؤتمر المعادن الدولي الذي عقد في الرياض منذ عام تقريباً، وأحسب قراراً في ذلك التوجه لابد وأنه قد بدأ يأخذ طابع الجدية، في ضوء ما تمر به المعادن الإستراتيجية من مناخ عمل صعب للغاية من جهة، ولما لبيئة العمل تلك، من أهمية للحفاظ على مصالح الدول المصدرة للمعادن من جهة ثانية، ولا أستبعد تأسيس تلك المنظمة في المستقبل المنظور جداً.
ويرى الكاتب بأن المملكة تمثّل مقرا مثالياً للغاية لمثل تلك المنظمة المرتقبة، وعليه، فإنه يطرح في التالي ومن منطلق وطني، مبررات اقتصادية وإستراتيجية نوعية، تصب في صالح قرار ترشيح المملكة لتكون المقر الرئيس والدائم لتلك المنظمة الدولية الهامة ورفيعة المستوى، لما لها من تأثيرات على الاقتصاد العالمي بشكل مباشر جداً.
فقد طالعتنا الصحافة المحلية والدولية خلال عام 2024، ما يفيد بأن المملكة قد سجَّلت تقدماً كبيراً في التقييم العالمي لمخاطر الاستثمار في قطاع التعدين، الصادر عن MineHutte بالتعاون مع مايننغ جورنال Mining Journal، محرزة المملكة أسرع نمو عالمي في تطور البيئة التنظيمية والأساسية الجاذبة للاستثمارات في القطاع، خلال الأعوام الخمسة الماضية (2018 - 2023)، ومنذ إطلاق برنامج التحول قطاع المعادن، بدءا بتطوير البنية التشريعية واللوائح التنظيمية، حتى باتت المملكة وجهة مفضلة للاستثمار في القطاع، ليس ذلك فقط، بل إن المملكة أصبحت ضمن أفضل عشر دول في مجال التراخيص التعدينية، وثاني أفضل دولة في بيئة منح التراخيص في العالم للاستثمار في قطاع التعدين.
ولأهمية قوة الاقتصاد على المستويين الإقليمي والعالمي، للدولة التي سيتم اختيارها مقرًا للمنظمة الدولية للمعادن الاستراتيجية، أسرد في التالي، ووفقاً لقراءات للكاتب من مصادر كثيرة، أسرد مقومات أساسية تحسب لقوة للمملكة الاقتصادية.
المملكة العربية السعودية:
فالمملكة عضو في مجموعة العشرين، تحتوي على ربع الاحتياطي العالمي من النفط، وأكبر منتج للنفط وتصديره على مستوى العالم، تمتلك اقتصاداً قوياً ومتنامياً يعدّ من أفضل اقتصاديّات دول الشرق الأوسط، وأعلى وأكبر نمو ناتج محلي في منطقة الخليج والشرق الأوسط، كما تمتلك بنية تحتية قوية في مجالي الاتصالات والمواصلات دولياً ومحلياً، وقطاعات اقتصادية متخصصة، ونمواً كبيراً في قطاع المعارض والمؤتمرات، وفي المؤسسات الأكاديمية.
حققت المملكة نجاحاً ملموساً في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، واستراتيجيات وخطط تحول وبرامج لتنويع القاعدة الاقتصادية، وعدد سكان يتجاوز الـ 27 مليون نسمة، وتمتلك القدرة على مواكبة التطور العصري والاستفادة من مواردها الطبيعة، ولديها سوق جاذبة في مختلف القطاعات نظراً للإنفاق الحكومي الضخم، وتحتل موقعاً استراتيجياً بين قارات العالم سمح لها بتكوين شبكة من العلاقات الحضارية والتبادل التجاري الواسع.
وينظر إلى المملكة على أنها أحد أكبر الاقتصادات العالمية، حيث السوق الحرة الأكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأكبر سوق للطيران المحلي في الشرق الأوسط بمحطات رئيسية ضخمة، مصحوباً بقاعدة اقتصادية واعدة وفرت بيئة ملائمة لنمو القطاع الخاص وتشجيعه للقيام بدور رئيس في تطوير العملية التنموية.
ومن جانب آخر، فقد كان صندوق النقد الدولي قد أصدر في أعقاب اختتام مناقشات مشاورات المادة الرابعة مع المملكة عام 2024، أصدر تقريراً إيجابياً أكد فيه أن الاقتصاد السعودي يشهد حالة ازدهار ونمو، وأن موقف المملكة المالي يتسم بالقوة، مشيداً بالتقدم الذي أحرزته في تنفيذ الأجندة الإصلاحية لرؤية السعودية 2030.
وأشاد الصندوق بتسارع وتيرة التحول الرقمي في المملكة، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، والإصلاحات في البيئة التنظيمية وبيئة الأعمال، وجهود الاستثمار في رأس المال البشري، والنمو المستمر للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
كما أثنى التقرير على جهود المملكة المتواصلة لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية والمالية وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، منوهًا بحقيقة أن المملكة كانت أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نمواً في عام 2022.
إضافة إلى ذلك، أشاد التقرير بجهود المملكة لاحتواء التضخم الذي ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي، موضحاً أنه تم احتواؤه عبر الدعم المحلي، منهيا تقريره بالتنويه بحقيقة أن استمرار إصلاحات رؤية السعودية 2030، يمثل تقدماً في دفع برامج التنوع الاقتصادي للبلاد، لتقليل اعتمادها على النفط، ومرحباً بالجهود الإصلاحية في إطار برنامج الاستدامة المالية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، وتعزيز الحوكمة، ومكافحة الفساد، وخفض الانبعاثات الكربونية.
وفي خطوة تهدف لتعزيز التنويع الاقتصادي والتعاون الدولي، دشن صندوق النقد الدولي مكتبه الإقليمي في العاصمة السعودية في أبريل 2024، ليصبح أول مكتب للصندوق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسط توقعات بأن يكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي على مناخ الاستثمار في المملكة والمنطقة بشكل عام.
وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في ديسمبر 2023، عن اختيار المملكة لرئاسة اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، التي تعمل على تقديم الدعم لمجلس محافظي صندوق النقد الدولي في مجال الرقابة على النظام النقدي، بما في ذلك الإجراءات اللازمة لمواجهة ما يطرأ من أحداث قد تسبب اضطرابات في النظام المالي العالمي.
ونتطلع إلى أن يعزز مؤتمر التعدين الدولي المبرمج عقده الأسبوع القادم في العاصمة الرياض مكانة المملكة الدولية، كدولة رائدة في قطاع التعدين على مستوى المنطقة والإقليم والعالم، وأن يعزّز في الوقت نفسه، من فرصة «ترشيح» المملكة لتكون مقرًا دائماً للمنظمة الدولية للمعادن الاستراتيجية المرتقبة، وذلك في ضوء أن المملكة جديرة إلى حد كبير في تحسين مناخ وبيئة العمل في قطاع التعدين، وجديرة بالمحافظة على مصالح الدول المصدرة للمعادن الاستراتيجية strategic minerals/commodities، خاصة وأن المملكة قد سجلت تقدماً كبيراً في تطوير قطاعها التعديني، ما جعلها توصف «بالأسرع نمواً على مستوى العالم في تطور البيئة التنظيمية والأساسية والتشريعية الجاذبة للاستثمارات في قطاع التعدين في العالم».