خالد بن حمد المالك
على اللبنانيين الآن أن يتنفسوا الصعداء، فقد انتصر لبنان، واختار اللبنانيون رئيسهم الجديد، مع وجود من حاول من الناخبين تعطيل انتخاب رئيس للبلاد، مفضلين أن يبقى لبنان دون رئيس على أن يتم اختيار العماد جوزيف عون رئيساً للبنان.
* *
وخلال انعقاد مجلس النواب لوحظ أن رئيس المجلس نبيه بري - وهو رئيس حركة أمل الشيعية - بكّر في فتح المجال لمعارضي ترشيح جوزيف عون، بدءاً بقراءة ما ينص عليه الدستور من أنه يجب أن يكون المرشح من غير موظفي الدولة الذين لا يزالون على رأس العمل، أو ممن لم يكن قد مضى عامان على تركهم لمناصبهم.
* *
قراءة نصوص الدستور، كانت بمثابة فتح الطريق لتمرير الاعتراضات على ترشح قائد الجيش، غير أن ذلك لم يحل دون إجراء التصويت، وإن لم يحصل قائد الجيش سوى على 71 صوتاً، بينما كان يحتاج إلى 15 صوتاً إضافية ليكون رئيساً من الجولة الأولى.
* *
في الجولة الثانية، وبعد أن رفع رئيس المجلس الجلسة الأولى، وحدد مدة ساعتين قبل عقد الجلسة الثانية، للتصويت من جديد، حصل العماد جوزيف عون على (99) صوتاً، والمطلوب 65 صوتاً فقط، ما جعله رئيساً للسنوات الست القادمة.
* *
كان المعارضون قد احتموا بالدستور اللبناني لتبرير مواقفهم من ترشح العماد عون، مبدين تمسكهم وحرصهم على عدم الإخلال بمواده، فقدموا أوراقاً بيضاء، لكنه لم يعطِّلوا دستورية انعقاد المجلس بالانسحاب وعدم الحضور، لأنهم كانوا أمام ضغوط خارجية وداخلية لم يكن بمقدورهم تجاوزها، فأمنوا نصاب المجلس بالحضور، مع يقينهم بفوز جوزيف عون إما بالجلسة الأولى أو الثانية.
* *
أسباب كثيرة ساهمت في نجاح مجلس النواب في انتخاب رئيس للبلاد، أبرزها المساعدة الأمريكية والفرنسية والسعودية في تمهيد الطريق لتحقيق هذا الإنجاز، وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وانتهاء أي دور لإيران في لبنان إثر سقوط بشار الأسد، والوضع الحالي لحزب الله، ثم الإجماع الدولي والعربي، وبخاصة أمريكا وفرنسا والمملكة على أن جوزيف عون هو الرئيس المناسب في الوقت المناسب للبنان.
* *
كان الله في عَوْن الرئيس عُون الذي سوف يواجه الكثير من التحديات أبرزها نزع سلاح حزب الله، تطبيقاً لما تم الاتفاق عليه مع إسرائيل وشروطها لإنهاء الحرب في لبنان، وإلزام إسرائيل بالانسحاب من المناطق التي احتلتها في هذه الحرب، وتحسين الوضع الاقتصادي والعمراني اعتماداً على الهبات والمساعدات الخارجية، ومحاولة منع أعداء لبنان من اللبنانيين أنفسهم في تقويض هذا الإنجاز الكبير.
* *
وللتذكير فإن الرئيس جوزيف عون حافظ حين كان قائداً للجيش على المؤسسة العسكرية دون أن تنزلق مع ما كان يمر به لبنان من تجاذبات بين الأحزاب، وحافظ على تماسكه كقوة لحماية لبنان مما كان يتعرض له من خلل أمني كبير.
* *
وكل من استمع لخطابه أدرك عمق تفكيره وتخطيطه لبناء لبنان الجديد، بدءاً من دعوته إلى التصالح بين الأحزاب والدعوة إلى التعاون خدمة لتحقيق مصالح الدولة مروراً بقصر السلاح وحصره في الجيش فقط وانتهاءً بتأكيده على انتماء لبنان العربي وتعاونه مع دول العالم ضمن مجموعة من الالتزامات لإخراج لبنان من أزماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومثلت أفكاره أن لبنان على موعد مع عهد استثنائي جديد.
* *
والتحدي الكبير الذي ينتظر الرئيس جوزيف عون هو اختيار رئيس الحكومة الجديد وتشكيل الوزارة وتوزيع الحقائب بين الانتماءات السياسية في البلاد، إلى جانب تنفيذ الوعود التي التزم بها في خطابه أمام مجلس النواب التي لاقت الاستحسان والترحيب من المجلس.
* *
كل ما نتمناه أن يكون العهد الجديد بداية لتصحيح الوضع في لبنان وتعافي البلاد من أزماته التي غيبته اقتصادياً واجتماعياً خلال السنوات الماضية.