فاطمة المتحمي
في ظل الانتشار الواسع للفيديوهات القصيرة على منصات التواصل الاجتماعي، والذي أدى إلى زيادة عدد المستخدمين، بدأت الدراسات تركز على تأثيرات هذه الفيديوهات النفسية والاجتماعية على الصعيدين الإيجابي والسلبي. تُظهر بعض الدراسات أن هذه الفيديوهات قد تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للمستخدمين؛ حيث يمكن أن تكون مصدرًا للترفيه والتعلم، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى الشعور بالقلق والاكتئاب. هذا النوع من الفيديوهات القصيرة يجذب الانتباه بفضل قدرتها على تقديم محتوى سريع وآسر، مما يخلق تأثيرًا على سلوك المستخدمين، سواء في تعلمهم وتطورهم أو في انخفاض قدرتهم على التحمل والصبر.
أولاً، نبدأ بالتأثيرات الإيجابية. بفضل قدرتها الكبيرة على جذب الانتباه وتقديم المحتوى بسرعة وفاعلية، تُظهر الدراسات أن الفيديوهات القصيرة تساهم بشكل ملحوظ في زيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والعالمية، كما تعزز التفاعل الفوري بين المستخدمين. نظرًا لطابعها السريع والمباشر، تتمكن هذه الفيديوهات من إيصال رسائل قوية وفعالة للجمهور، مما يجعلها أداة مثالية لنشر الأفكار والمعلومات. إضافة إلى ذلك، تلعب الفيديوهات القصيرة دورًا مهمًا في المجال التعليمي، حيث يتم استخدامها بطرق مبتكرة لشرح المفاهيم أو تقديم نصائح في مجالات متنوعة. تساعد هذه الفيديوهات في تبسيط المواضيع المعقدة وتحفيز الأفراد على التعلم بأسلوب مرن وسريع. كما تسهم في تنمية الإبداع الشخصي والمهارات الفردية، مما يشجع الناس على التعبير عن أنفسهم ومشاركة أفكارهم بطرق مبتكرة.
علاوة على ذلك، تُعد الفيديوهات القصيرة أداة فعّالة لتعزيز النشاط البدني والصحة العامة، حيث تُستخدم لتحفيز المشاهدين على ممارسة الرياضة واتباع أسلوب حياة صحي. وفي مجال التسويق الرقمي، تعتبر الفيديوهات القصيرة أداة قوية للشركات للوصول إلى جمهور واسع، خاصة من الأجيال الشابة، مما يعزز التفاعل مع العلامات التجارية والحصول على خيارات أفضل وجودة مناسبة.
أما على الصعيد السلبي، فقد ركزت العديد من الدراسات مؤخرًا على كيفية تأثير المحتوى السريع والقصير في انخفاض قدرة التحمل لدى المستخدمين. أشارت بعض الدراسات إلى أن هذا المحتوى قد يقلل من قدرة الأفراد على الانتظار والتحمل، وذلك لأن هذه المقاطع تُعرض بسرعة وتُحمَّل بشكل سريع، مما يجعل المستخدم أكثر انزعاجًا من الانتظار لشيء أطول أو أكثر تعقيدًا. يُلاحظ أن الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلاً في مشاهدة الفيديوهات القصيرة يصبحون أقل صبرًا عند التعامل مع المواقف التي تتطلب وقتًا أطول، مثل الانتظار أو التعلم أو إتمام المهام الطويلة. ولأن الفيديوهات القصيرة تقدم جرعات سريعة من التحفيز، فإن ذلك يؤدي إلى تقليل قدرة الشخص على التركيز أو التفاعل مع المحتوى الذي يتطلب تفكيرًا عميقًا أو وقتًا أطول، وهذا يؤدي إلى قلة الصبر عند التعامل مع الأنشطة التي لا تقدم نفس النوع من التحفيز الفوري.
المتابعة المستمرة للمحتوى القصير قد تزيد من تشتت الانتباه، لأن الفيديوهات القصيرة تقطع الانتباه بشكل مستمر بين موضوعات ومحتويات متنوعة، مما يجعل الدماغ أقل قدرة على التركيز لفترات طويلة. وبالتالي، يُقلل الصبر لدى المتابع، حيث يُدرِّب الدماغ نفسه على الانتقال السريع بين الأنشطة المختلفة. كما يصبح الشخص أقل صبرًا في علاقاته الشخصية أيضًا، ويصبح أقل قدرة على الاستماع لشريك أو صديق لمدة طويلة أو التعامل مع المواقف الاجتماعية التي تتطلب نوعًا من الصبر والتركيز. كما قد يؤثر المحتوى السريع على قدرة الأشخاص على التعلم العميق أو الاستمرار في متابعة مهام تعليمية تستغرق وقتًا طويلاً. قد يجد الطلاب الذين يتابعون الفيديوهات القصيرة صعوبة في التكيف مع أساليب التعلم التي تتطلب تركيزًا طويلًا. المتابعة المستمرة للمحتوى القصير قد تؤدي أيضًا إلى الشعور بالقلق والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس والشعور بعدم الرضا، خاصة بين المراهقين. ويرجع ذلك إلى التركيز على المقارنات الاجتماعية والمحتوى الذي يعرض صورًا مثالية وغير واقعية. كما أن مشاهدة هذه الفيديوهات بشكل مستمر قد يزيد من شعور الشباب بالعزلة الاجتماعية، مما يؤثر سلبًا على رفاههم العقلي. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الخوف من فقدان الفرص أحد التأثيرات النفسية البارزة، حيث يزيد من القلق لدى الشباب والمراهقين بسبب تعرضهم لتجارب الآخرين، مما يعزز الإحساس بالعزلة والاكتئاب، كما تبين أن التأثيرات النفسية تختلف باختلاف المنصة؛ حيث يعزز «تيك توك» الترفيه والتعلم والمرح والتفاهة أيضاً، بينما يركز «سناب شات» و»إنستغرام» بشكل أكبر على المقارنات المادية والصورة المثالية والحياة الوردية.
هناك أيضًا دراسات تشير إلى أن الفيديوهات القصيرة تساهم في تشكيل الهوية الشخصية للمستخدمين، حيث يُقدم الأشخاص أنفسهم بالتنافس عبر هذه المنصات لتحقيق رضا اجتماعي أكبر بناءً على التفاعلات مثل الإعجابات والمشاركات والمشاهدات. هذا التنافس قد يؤثر سلبًا على تقديرهم لذاتهم، خاصة في ظل الانشغال بالمقارنات الاجتماعية للوصول لعدد أكبر من المشاهدات مما يؤدي إلى التنازل في أغلب الأحيان عن القيم الدينية والاجتماعية. وفي نفس السياق، أظهرت بعض الأبحاث أن منصات الفيديو القصير قد تساهم في الإدمان بسبب السلوكيات المرتبطة بالتفاعل السريع مع المحتوى الذي يثير الدوبامين في الدماغ، مما يؤدي إلى زيادة الوقت الذي يقضيه المستخدمون على هذه المنصات دون إدراك، ويؤثر سلبًا على إنتاجيتهم.
في النهاية، تساهم هذه الفيديوهات في تشجيع السلوكيات الإدمانية بسبب الخوارزميات التي توفر محتوى جذابًا باستمرار، مما يؤدي إلى استهلاك محتوى غير مدروس يترك آثارًا سلبية على حياة المستخدمين اليومية. ومع استمرار تأثير هذه الفيديوهات على حياتنا، من الضروري أن نفهم تأثيراتها النفسية والسلوكية من أجل استخدامها بشكل آمن وفعّال، خاصة بين المراهقين والأطفال. وبالرغم من هذه التأثيرات السلبية، يمكن أن يكون للفيديوهات القصيرة أيضًا تأثيرات إيجابية، مثل تسريع الوصول للمعلومات البسيطة والمباشرة، مما يساعد على تعلم سلوكيات معينة بسرعة. كما أن وجود الوعي حول هذه التأثيرات قد يساعد المستخدمين على إدارة وقتهم بشكل أفضل.