د.محمد بن عبدالرحمن البشر
معظم الثورات في العالم تقوم على ايدولوجيا معينة، تكون أداة لجمع الجموع، وتحشيد الحشود، ضد حكم قائم ترهل لسبب أو لآخر، وهذا ما تركه لنا التاريخ، وربما ما قبل التاريخ، ففي مصر القديمة عندما وحد ميني أو مينا باليونانية مصر، تعاقبت عليها أسر بعد ترهل ما قبلها، وكذلك لدى السومريين، والبابليين، والآشوريين، والحيثيين، والفرس، وحتى امبراطورية الاسكندر، ثم الرومان والبيزنطيين، وفي الأندلس كان الأمويون، والطوائف، ثم المرابطون والموحدون وكذلك الحال في الصين والإمبراطوريات المتعاقبة، وكذلك الأمر بالنسبة لثورة البلشفية، ونظرية كارل ماركس الشيوعية وهذا أمر طبيعي.
الثورة السورية قامت على ايدولوجيا، لكن ما دعاها إلى القيام هو الحكم غير الرشيد الذي كان سائداً في سوريا، والتصرفات المجانبة للصواب، والعلاقات السيئة مع دول كانت واستمرت تقدم الخير للشعب السوري مثل المملكة العربية السعودية، والانخراط في دائرة لم تكن جزءاً من أفعال الخير التي قامت عليها معظم دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ولم يجنِ الشعب السوري من هذا النهج السيئ سوى المآسي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وخلق بيئة للتدخلات الأجنبية حتى تقاطعتها الذئاب من كل ناحية، ولم يبق للدولة المركزية سوى قصر الرئيس وكرسي ملكه، ومساحات يسيرة من الأرض هجرها الكثير من أهلها خوفاً من الظلم والجور.
هذه الثورة التي تم احتضانها من قبل دول أخرى لها غاياتها، دلفت إلى سوريا، وشرعت لها الأبواب لأن الناس هناك كانت تبحث عن الخلاص من ذلك الجاثم على الصدور، بعد أن ملأ القبور، وبعد أن تم ما تم، فإن من المناسب لقادة تلك الثورة، ان يستبدلوا بعباءة كانوا يلبسونها عباءة أخرى تناسب الحال، ومن ضمن ذلك عدم الكراهية، واحترام تنوع الأديان والمذاهب والطوائف، وإعطاؤهم حقوقهم، والأهم البعد عن لذة الانتقام، والسعي لبسط القانون والنظام.
شعوب الأرض جميعاً ومن ضمنها سوريا تتطلع إلى الأمن أولاً، وعيشة كريمة، وصون كرامة الإنسان، وجعل التسامح مقدما على العقاب حتى تأتلف القلوب حول الوافد الجديد، ومن المعلوم أن تأليف القلوب فن من فنون السياسة، أجاده بعض من المؤسسين السابقين الذين صنعوا أنظمة جديدة، فاجتمعت حولهم القلوب، وهذا ما ينبغي لحكام سوريا فعله، لاسيما أن الشعب السوري قد هاجر معظمه، وقد كون بعض المهاجرين ثروة، قد تكون سوريا بيئة مناسبة لاستثمار المال بها، إذا كان هناك استقرار وأمن، وتطبيق قانون، وتيسير الأنظمة.
إن تحكم دولة يختلف تماماً عن أن تقود ثورة، فالدولة ترتبط مع دول أخرى بعلاقات لابد من السعي إلى تحسينها، وكذلك فتح أبواب اقتصادية مثل تيسير التبادل التجاري، وتحفيز الاستثمار الداخلي، وجلب الاستثمار الأجنبي، وقبل ذلك وضع بيئة مناسبة لذلك بعيدة عن الأيدلوجيا والتدخل في شؤون الدول، أو زعزعة استقرارها، والاستفادة من العلاقات فيما ينفع الوطن والشعب، والعالم كله يراقب ما يحدث في سوريا حتى يمكنه الحكم على النظام الجديد.