د. فهد صالح عبدالله السلطان
كثُر التذمر الاجتماعي من تزايد دعوات الزواج، خاصة بعد أن سهَّلت وسائل التواصل الاجتماعي إيصال الدعوة للمدعو، في وقت تزايدت فيه تعقيدات الحياة الاجتماعية وكثرة السكان، وارتفاع مستوى العلاقات الاجتماعية الذي أفضى إلى زيادة أعداد المعارف والأصدقاء وزملاء العمل والأقارب ...إلخ .
أصبح البعض يتلقى دعوة للمشاركة في أكثر من حفل في الليلة الواحدة مما يسبب حرجاً للمدعو. خاصة في ظل ازدحام حركة المرور وكثرة مشاغل العمل والمشاغل الأسرية، حتى أصبحت إجابة الدعوة أكثر صعوبة وتعقيداً، وأضحت تلبيتها عبئاً ثقيلاً على المتلقي.
ويلاحظ أن الجانب الشكلي لكثير من حفلات الزيجات طغى على الهدف الأساسي، وأصبح نجاح الحفل يقاس بعدد الحضور الذي أصبح مدعاة للمفاخرة والتباهي والوجاهة، مع العلم أن معظم المدعوين يأتي مجاملة والبعض خوفاً من الملامة.. فكأننا أمام حفل مصطنع لتجمع احتفالي؛ يهدف منه الداعي إلى التباهي على حساب المدعو الذي بدوره يحضر مجاملة أو خوفاً من الملامة.. أي أن الحدث غالباً ليس عملاً أصيلاً بقدر ما يكون أشبه بحدث مصطنع لتحقيق غايات شكلية ثانوية، بعيدة كل البعد عن الهدف الأساس وعن المقاصد الأصلية. (مع التذكير هنا بعدم التعميم).
جميل أن نقف مع أنفسنا ومع بعض الظواهر الاجتماعية ونراجعها للتأكد من تمشيها مع أهدافها الأساسية، خاصة الفعاليات مثل حفلات الزواج أو اجتماعات العزاء ... إلخ، وعما إذا كانت تتفق مع السنة النبوية.
فمن المعلوم أن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يكونوا يدعون الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أعراسهم، ولا يدعو بعضهم بعضاً وإنما يكتفون بدعوة أسرهم وعائلاتهم الأقربين. يروى أن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - لم يدعُ الرسول لزواجه، بل لم يخبر الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - بزواجه ولم يدعُ الصحابة من باب أولى. ومع أنه من كبار تجار الصحابة فقد أولم بشاة فقط امتثالاً للهدي النبوي. ورسولنا الكريم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب وأبوها من كبار سادات يهود، ويرجع نسبها إلى موسى بن عمران - عليه السلام - ولم يذبح شاة واحدة، بل أولم بحيس (تمر وإقط وسمن) فقط.
كل ما نتمناه أن تقتصر دعوات حفلات الزواج على الأقارب من الأسرة والأهل وربما الجيران فقط. وتكون أعراسنا أعراساً أصيلة غير مصطنعة وغير متكلفة، بعيدة عن المجاملات والمباهاة والشكليات وطلب الوجاهات. ويمكن لمن يريد إحاطة الأصدقاء والمعارف بزواج من يعوله أن يكتفي بإشعارهم بعقد القران دون الدعوة لحضور الحفلة، ففي ذلك تيسير على الأصدقاء والمعارف وإراحة لهم من عناء المشاركة، خاصة في ظل بُعد المسافة أو ازدحام الطرق وكثرة المشاغل والالتزامات. وفي ذلك أيضاً تيسير على السيدات بعدم التكلف في شراء مستلزمات الحفلة من ملابس وغيرها. وأنا على يقين بأن الجميع سيحمد له ذلك ويشكره عليه، فقد أصبحت الحياة أكثر تعقيداً، ومستجدات المرحلة لم تعد تسمح بهكذا التزامات، ولم تعد الحركة سهلة كما كانت في ماضي الأيام.
نحتاج إلى مبادرات من أرباب الغنى والحكمة والنية الصالحة والثقة في النفس لتبني نماذج أعراس مبسطة تلم الشمل وتسعد الكل وتنبذ الترف وتحقق الهدف.
والله الهادي إلى سواء السبيل.