خالد بن حمد المالك
أمام اللبنانيين اليوم فرصة تاريخية لتجاوز أزمة تعطيل اختيار رئيس للبلاد، فرصة قد لا تتكرر أمام عناد القوى السياسية، والضبابية في مواقفهم من إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري المهم لوضع حد للتحديات التي تواجهها البلاد.
* *
كل فريق، كل حزب، لا تعنيه مصلحة لبنان، فهو من يعطّل اختيار رئيس للجمهورية اللبنانية، وهو من يهمه مصلحة حزبه أكثر من مصلحة بلاده، وهو - بالتأكيد - من يأتمر بأوامر من دولة لا تهمها مصلحة لبنان.
* *
لا شيء يمكن تفسيره أكثر من ذلك، وليس هناك من مصلحة يمكن بها تبرير عدم اختيار رئيس للبنان، وقد مضى أكثر من سنتين على شغور كرسي الرئاسة، و12 اجتماعاً فاشلاً لمجلس النواب، دون أن تتحرك ضمائر من اختيروا من الشعب ليكونوا أعضاء في مجلس النواب.
* *
يُعطّل التصويت لعدم اكتمال النصاب، إما بالانسحاب، أو عدم الحضور، وهذا تكرر كثيراً في الجلسات السابقة، وقد يتكرر من جديد، رغم تغيير المعادلات والظروف، والمستجدات التي لا تترك لأحد الحق في التهرب من المسؤولية.
* *
ومع هذا، فهناك تفاؤل كبير باختيار رئيس للبلاد رغم التلويح بمواقف صادمة لبعض الأحزاب، ما يجعل نجاح اجتماع مجلس النواب مجال شك في اختيار رئيس جديد خلفاً لميشيل عون، ما لم تكن هناك إرادة وتصميم وعزم على تجاهل الماضي، وفتح صفحة إنقاذ جديدة للوضع في لبنان.
* *
هناك دول أجنبية بينها أمريكا وفرنسا، ودول شقيقة على رأسها المملكة، تحاول مساعدة اللبنانيين على تغليب مصلحة لبنان على ما عداها، وأنه آن الأوان لإنجاح التصويت لملء الفراغ الرئاسي بعد أن عانى لبنان ما عاناه من انهيار اقتصادي وسياسي واجتماعي.
* *
ومن المؤكد أن دول العالم لو اجتمعت كلها لمعالجة الوضع في لبنان فلن يكتب لمجهودها النجاح بدون تضامن وتكاتف وتعاون اللبنانيين أنفسهم، وهو ما يجب أن يدركه اللبنانيون، ويتفهموه، ويتجاوبوا معه.
* *
لا أريد أن أقول إن هناك من يعرقل مسار التصالح، والوصول إلى توافق، وأن هناك تحديات كثيرة وخطيرة، فلدى اللبنانيين القدرة على كشف هؤلاء، والعمل لاختراق كل ذلك، والوصول إلى نتائج ترضي الجميع، ومواقف تكون موضع ترحيب من كل اللبنانيين.
* *
لقد تأثر لبنان كثيراً في شغور كرسي الرئاسة، واعتماده على حكومة لتصريف الأعمال، لا تتمتع بصلاحيات واسعة، وعلى اللبنانيين أن يتمسكوا بالمحاولة الجديدة لاختيار رئيس لهم، دون التعامل مع هذه الفرصة بطريقة تفشل ما يبذل من مجهود لتحقيقها.
* *
إن اختيار الرئيس هو شأن لبناني، ولا من دولة لها مرشح أو اسم بالتحديد، فقد تركت ذلك للبنانيين، ودورها يقتصر على مساعدتهم في تجاوز الخلافات فيما بينهم، تاركة حصر الاختيار على أصوات الناخبين في مجلس النواب.
* *
ومن المهم أن يكون الرئيس القادم بمواصفاته وكفاءته وخبراته يجمع ولا يفرق، وأنه رئيس لكل اللبنانيين، دون النظر إلى الديانة والمذهب والانتماء السياسي، فلبنان لكل اللبنانيين، ولبنان يضم طوائف وديانات ومذاهب وتيارات عدة، وظل التعايش فيما بينهم، وتمتعهم بالحقوق والواجبات دون تفرقة هو ما اعتاد عليه اللبنانيون، وألّف بين قلوبهم، قبل أن يغرق بالتدخلات الأجنبية.