محمد بن عيسى الكنعان
الإعلان الإيراني بأن أربع عواصم عربية، وهي (بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء) هي عواصم إيرانية الذي جاء على لسان علي رضا زاكاني رئيس مركز الأبحاث في البرلمان الإيراني، والمقرب من مرشد الثورة علي الخامنئي، وذلك عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء، هو تصريح يعكس قوة النفوذ الإيراني، ويبرهن على عمق العلاقات والتعاون الإستراتيجي بين طهران وتلك العواصم، وأن هذا التعاون لا يتجاوز استشارة المسؤول الإيراني في صناعة القرار السياسي بواحدة من كل تلك العواصم العربية.
غير أن هذا التصور أو الاستنتاج هو من قبيل عدم ملامسة الواقع السياسي لحقيقة المشروع الإيراني في المنطقة العربية، وتقليل من أهميته في المحيط الإقليمي بشكل عام، فهذا المشروع؛ قد تم قصّ شريطه في أول يوم وصل فيه الخميني إلى أرض طهران عام 1979م، باسم (تصدير الثورة)، ثم تم تدشينه فعليًا عام 2003م بعد سقوط نظام صدام حسين، وقدوم المعارضة الموالية لإيران من طهران إلى بغداد.
لكن من عودة الخميني إلى سقوط صدام كانت تلك السنوات شاهدة أيضًا على بناء علاقات إستراتيجية بين طهران ونظام الأسد البعثي في دمشق، وهي مفارقة غريبة، علاقة إستراتيجية بين دولة تنتمي لعرقها الفارسي مع دولة اتخذت شعارًا قوميًا (صاحبة رسالة خالدة لأمة عربية واحدة). وهي العلاقة التي تشكلت برعاية الأسد الأب، واستمرت مع الأسد الابن، فكانت سوريا الطريق الممهدة لوصول إيران إلى لبنان، عندما وافق حافظ الأسد على دخول 1500 عنصر من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان لتدريب أعضاء (حزب الله) بعد تأسيسه وإعلانه الرسمي عام 1985م؛ فنشأت دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية حتى تحكم الحزب في مفاصلها. الموقف السياسي من قبل نظام الأسد تكرر خلال سنوات الثورة السورية، عندما طلب بشار الأسد من إيران الدعم والمساندة ضد ثوار المعارضة السورية؛ فدخل آلاف الإيرانيين إلى سوريا عام 2013م من خبراء وقادة عسكريين وجنود وميليشيات، فضلاً عن مقاتلي (حزب الله) والميليشيات الطائفية من العراق وباكستان وأفغانستان، حيث بلغ عددهم قرابة 70 ألفاً، ويكفي أن عدد الإيرانيين في حلب وحدها بلغ قرابة 35 ألفاً من واقع حديث الرئيس الروسي بوتين عن نقل الإيرانيين بعد دخول الثوار حلب، فضلاً عن وجودهم والميليشيات الأخرى في مدن رئيسة مثل حمص ودمشق ومدن الساحل، ومنح قطاع كبير منهم الجنسية السورية.
هذا الدعم العسكري الإيراني الكبير لنظام الأسد، كان يوازيه دعم مادي تجاوز 35 مليار دولار اعتبرها الإيرانيون ديونًا على سوريا. فهل كان كل ذلك بلا ثمن. بالطبع هناك ثمن. فقد صار واضحًا خلال السنوات العشرة الأخيرة تدخّل إيران في سوريا، ومجالاتها الرئيسة، التي من أبرزها المجال العسكري بوجود قواعد عسكرية إيرانية ومخازن أسلحة ومصانع صواريخ للحرس الثوري ومقرات للميليشيات في كثير من المناطق السورية.
ومن خلال تكريس الوجود الإيراني في حمص وريفها، وفي مدينة حلب بحكم أنها أيقونة الصناعة السورية، ودير الزور وريفها الشرقي، ومدينة البوكمال الحدودية مع العراق، فضلاً عن دمشق، وريف دمشق وبالذات منطقة القلمون التي تعتبر منطقة إستراتيجية لنظام الأسد و(حزب الله) والإيرانيين، كونها تحاذي لبنان وتشكل خط إمداد إستراتيجياً.
لذلك فسقوط نظام الأسد لم يكن مجرد سقوط نظام ديكتاتوري، أو هزيمة نظام فاسد أمام ثورة شعب متطلع للحرية والحياة الكريمة، بقدر ما كان خسارة للمشروع الإيراني، الذي كان يرتكز على سوريا باعتبارها المنطلق، والأرضية التي يتحرك منها ذراعه في المنطقة تحت ما يُسمى بـ(محور المقاومة).
كان المشروع الإيراني يتحدث إعلامياً عن أنه نصرة للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، ومحاربة الاستكبار العالمي، لكن تحرير سوريا من نظام الأسد، سوف ينعكس ذلك على تخليص لبنان من سيطرة حزب الله على حساب الدولة المدنية. كما أن هذا التحول الكبير في المشهد السوري سيكون له انعكاسات إيجابية على دول أخرى في المنطقة كانت تعاني من التحالف الإيراني مع سوريا ولبنان واليمن والعراق.