رمضان جريدي العنزي
المواقف غربال الإنسان، تميِّز اللئيم من الكريم، والخبيث من الطيب، والجاحد من الوفي، والكاذب من الصادق، والمعطي من المنان، والمتلون المتغير من الثابت الواثق، وصاحب القول الرنان من صاحب الفعل الحقيقي، والمواقف هي من تكشف حقيقة الإنسان، وتبين بجلاء ثباته وتعهده ووفاءه ومكارم أخلاقه ومدى إنسانيته، والإنسان بفعله وجهده وعمله وصدقه، وليس بلبسه وأناقته وعطره وسبحته وبشته وثرثرته ولحن قوله.
المواقف ليست تنظيرات ونظريات ومحاضرات وكلمات عابرة، ولكنها أفعال تطبيقية بائنة، فلا قيمة لقول دون فعل، فمهما كانت الأقوال جميلة، والادعاءات مثالية، تبقى بلا قيمة أمام المواقف المجسدة في التصرفات العملية، فالمواقف تظهر الحقيقة بائنة بشكل واضح وجلي كما هي، بلا زيف ولا تنميق ولا تملق ولا نفاق، فموقف واحد قد يغني عن آلاف الكلمات ومئات التنظيرات.
إن المواقف التي لا تقترن بالصدق والمصداقية لا تصيب أبداً كبد الحقيقة، إن الأقوال الرنانة، والكلام المعسول، والتعهد بقضاء الحوائج دون فعل تعتبر فضيحة مدوية، وتعود على صاحبها بالهوان. إن أوجع الطعنات هي التي تأتي ممن أعلنوا بالقضاء وتعهدوا بالوفاء ثم خذلوا بالأفعال، وبذلك سقطت عنهم كل القيم التي كانوا يتبجحون بها، وذاب نبلهم وسمتهم وتجلت حقيقتهم.
إن المواقف الحقيقية لا تظهر إلا عند الشدائد والمصائب والأزمات، لأنها هي التي تبين حقيقة الشخص وتعريه وتظهر باطنه، إن المواقف الصعبة التي تستدعي العزم والجهد هي الكاشفة، والثبات في المواقف، وتحمل المتاعب والمشاق، يحتاج إلى صبر ورباطة جأش، فلا خير في إنسان يتخلى عن تعهداته والتزاماته، ويضرب بمبادئه عرض الحائط، ويتحول من معدن نفيس في أقواله، إلى شيء بخيس في أفعاله، ومن عزيز نفس في تنظيراته، إلى ماكر وخبيث في أعماله، ومن وجه سمع في ثرثرته، إلى قناع معتم ومزيف في مواقفه.
إن المواقف الحقيقية هي التي تمحص الإنسان، وتظهر صدقه من نفاقه، وثباته من زئبقيته، والمواقف مرآة الحقيقة تبين المخلص من المحسوب، وصاحب الشخصية الثابتة، من الشخصية المنحرفة المائعة.
الإنسان صاحب المواقف الثابتة، والكلام الواحد، والعهد الأمين، لا يكسر قلباً، ولا يخذل صاحباً، ولا يتخلى عن محتاج، ولا ينهر مسكيناً، لا ينافق ولا يداهن ولا يمارس التلون، أما صاحب المواقف المترنحة المتأرجحة، فليضع على وجهه المساحيق، ويلبس ألف قناع وقناع.