علي الخزيم
= بعد أن يُجري أحدهم عملية جراحية لزراعة أحد الأعضاء فإن طبيبه ينصحه بوضع (القِناع أو الكِمَامَة) على أنفه وفمه حماية له من التقاط الفيروسات والميكروبات المتطايرة من حوله لأي سبب كان، وهذا يعود لانخفاض مناعة الجسم الطبيعية فلا يقاوم أثر تلك الجسيمات التي لها خاصية النفاذ إلى الجهاز التنفسي، ومن ثم التفاعل والانقسام المؤدي للإصابة بأمراض جديدة أو استثارة ما يَكْمُن داخل جسم الإنسان من فيروسات خاملة منذ أمد، هكذا يقول الأطباء.
= في المسجد أو داخل قاعة للمناسبات السعيدة ونحوها تجد من يضع القناع الواقي (الكِمامة) فتلاحقه العيون الفضولية؛ وكأنها تطالبه بتفسير سبب ظهور القناع؟ بل إن البعض بالمجالس يأخذ بالتلميح لمعرفة السبب واستقصاء الأمر؛ وإن لم يُجْدِ التلميح يعمد للتصريح فيسأل لابس القناع عن الأسباب ومتى كان ذلك وكيف كانت النتائج وهكذا سلسلة من الأسئلة؛ وإذا ما نال مراده ينصرف فجأة عن المتحدث لابس القناع ويتجه لغيره بحثًا عن تطفل جديد!
= تقول فئة من الضَّالِعين بقواعد اللغة العربية أن مِن الخطأ استخدام كلمة (كمَّامَة) لغطاء الفم للوقاية من الفيروسات ويقصد بها عربيًا غطاء الفم فقط (لثام)؛ وأن الصواب هو (قِنَاع) الذي يغطي الفم والأنف؛ كما لفتوا إلى أن قناع هي ترجمة عربية مُوفَّقة لكلمة (mask) الإنجليزية؛ وأضافوا بأن كِلا الاستخدامين (كِمَامة وكَمَّامَة) صحيحان، غير أن هناك من انبرى للتوضيح بأن أصل كلمة (ماسك) الإنجليزية إنما هي عربية الأصل مأخوذة ومُحوَّرة من كلمة (مسخرة)؛ ذلكم أن عادات غربية لا سيما زمن الفتوحات الإسلامية حين إقامة الحفلات الصاخبة ويصاحبها صدور أفعال وتصرفات خارجة عن إطار الآداب العامة؛ فعرف القوم آنذاك أن العرب تُسمّيها (حفلات مَسخَرة) فابتكروا غطاء للوجه للتمويه لئلا يُعرف المُتَمَسخِر.
= ونتيجة لذلك كانت (masquerade) أي حفلة تنكرية أوَّل كلمة منتشرة بمعظم لغات العالم تولّدت عن كلمتنا العربية مسخرة؛ وبطبيعة الأحوال لم يتوقف الأمر عند ابتكار الكلمة الجديدة بل تفرع من كلمتنا العربية كلمة جديدة غيرها هي (mascara ـ مَسْكَرة) بمعنى مساحيق الزينة وهي تنتشر الآن بالدول الغربية وغيرها، ثم ظهرت كلمة (mask) بمعنى القِناع لجميع الوجه عمومًا وبمعنى الكَمَّامة للفم والأنف، كل هذا من كلمة عربية واحدة هي (مَسْخَرة) كانت العرب بالأندلس والبلاد الغربية ألتي افتتحوها يَسْخَرون بها من أفعال مُشِينة أثناء بعض احتفالاتهم.
= وقد اشتهر عند العرب رجال دأبوا على لبس القناع واللثام أو تغطية كامل الوجه، ومن أولئك المُقَنَّع الكندي وهو: محمد بن ظَفر الكندي؛ من جنوب جزيرتنا العربية وقيل إن سبب لزومه للقناع ما وهبه الله سبحانه من جمال الصورة وبهاء الطلعة وحسن القامة؛ فهو مع بلاغته بالشعر والأدب كان يخشى العين والحسد، وله قصص تُروى بالكرم وحسن الوفادة والإيثار؛ ومِمَّا قال حين عاتبه أو قَلاه بنوا عَمّه لضيق ذات اليد حينًا:
(وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم
وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا
لَهُم جُلُّ مالي إِن تَتابَعَ لي غَنّى
وَإِن قَلَّ مالي لَم أُكَلِّفهُم رِفدا)