د. طارق بن محمد بن حزام
من تفكَّر في عظمة الله عز وجل، طاش عقله؛ لأنه يحتاج أن يثبت موجودًا لا أوّل لوجوده، وهذا شيء لا يعرفه الحس؛ وإنما يقر به العقل ضرورة، وهو متحيّر بعد هذا الإقرار، ثم يرى من أفعاله ما يدل على وجوده، فلا يخفى وجوده. فينبغي للعاقل الذي قد ثبت عنده وجوده بالأدلة الظاهرة الجلية: ألا يمكِّن عقله من الاعتراض عليه في أفعاله، ولا يطلب لها علة؛ إذ قد ثبت أنه مالكٌ وحكيم، فإذا خفي علينا وجه الحكمة في فعله، نسبنا ذلك العجز إلى فهومنا، وكيف لا، وقد عجز موسى عليه السلام أن يعرف حكمة خرق السفينة، وقتل الغلام، فلما بان له حكمة ذلك الفساد في الظاهر؛ أقرّ؟! فلو قد بانت الحكمة في أفعال الخالق، «ما» جحد العقل جحد موسى، يوم الخضر.
فمتى رأيت العقل يقول: لِمَ؟ فأخرسه بأن تقول له: يا عاجز! أنت لا تعرف حقيقة نفسك، فما لك والاعتراض على المالك؟!.
وربما قال العقل: أي فائدة في الابتلاء، وهو قادر أن يُثيب، ولا بلاء؟! وأي غرض في تعذيب أهل النار، وليس ثم تشفٍ؟! فقل له: حكمته فوق مرتبتك، فسلِّم لما لا تعلم؛ فإن أول من اعترض بعقله إبليس، رأى فضل النار على الطين، فأعرض «عن السجود».
وقد رأينا خلقًا كثيرًا، وسمعنا عنهم أنهم يقدحون في الحكمة؛ لأنهم يحكِّمون العقول على مقتضاها، وينسون أن حكمة الخالق وراء العقول.
فإياك أن تفسح لعقلك في تعليل، أو أن تطلب له جواب اعتراض، وقل له: سلِّم تَسْلَم، فإنك لا تدري غور البحر إلا وقد أدركك الغرق قبل ذلك، هذا أصل عظيم، متى فات الآدمي، أخرجه الاعتراض من الإسلام.
** **
- (صيد الخاطر: 376 - 377) للحافظ ابن الجوزي رحمه الله