فضل بن سعد البوعينين
وقفت المملكة، قيادة وشعبا، ومنذ اليوم الأول للأحداث التي شهدتها سوريا العام 2011م مع الشعب السوري، وشددت قيادتها على ضرورة ضمان أمنها ووحدة أراضيها، وأحقية الشعب السوري في تقرير مصيره ومعالجة الأزمة، وتجاوزها، بأدوات وطنية تسهم في عودة أمنها وإستقرارها، ونهوض اقتصادها الذي شهد تداعيات عميقة، وانكماشاً بنسبة 85% خلال ما يقرب من 14 عامًا من الحرب، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 67.5 مليار دولار في 2011 إلى 8.98 مليار فقط في 2023، بحسب تقديرات البنك الدولي، وواجهت الليرة السورية انهيارا من مستوى 54 ليرة للدولار في العام 2011 إلى ما يزيد عن 13 ألف ليرة، فيما وصل احتياطي النقد الأجنبي إلى 200 مليون دولار فقط.
الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع السعودي، أكد بعد لقائه في الرياض، وفد الإدارة السورية الجديدة، أنه «آن الأوان أن تستقر سوريا وتنهض، وتستفيد مما لديها من مقدرات وأهمها الشعب السوري الشقيق». برغم انهيار الاقتصاد، وتدمير البنى التحتية، فلدى سوريا القدرة على النهوض وبناء إقتصادها، وإستثمار مقدراتها، لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الشاملة. يمتاز الشعب السوري بالإنتاجية العالية والمهارة التجارية والمهنية، ومتى حصل على الدعم، والأمن والإستقرار، فسيتمكن من إعادة بناء الاقتصاد وتنمية البلاد.
الأمن والإستقرار قاعدة التنمية وهما من شروط برامج إعادة الإعمار الرئيسة.
إستقرار سوريا ونهوضها هو ما تسعى المملكة للمساهمة في تحقيقه، من خلال جهودها المكثفة منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، وهي جهود عملية صادقة لم تخالطها الأطماع، أو توجهها الأجندات الخارجية ذات الأهداف الإستراتيجية المشبوهة، و المضرة بوحدة سوريا، وأمنها وإستقرارها. التزمت المملكة بمبادئ ثابتة استهدفت من خلالها ضمان أمن سوريا ووحدة أراضيها بعيدًا من التدخلات الأجنبية والتأثيرات الخارجية، معا التزامها التام بتوفير المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوري، في الداخل والخارج، واحتضان ثلاثة ملايين سوري كمقيمين، وفرت لهم متطلبات الحياة الأساسية من تعليم وعلاج بالمجان، وأتاحت لهم ممارسة العمل، وأعادت دمجهم بالمجتمع.
عاش السوريون ثلاثة عشر عاما كمقيمين في مدن المملكة، ونشأ مواليدهم على أرضها التي كانت لهم بمثابة الوطن، حتى باتوا جزءا منها، ينعمون وأسرهم بحياة كريمة لا تمييز فيها، ولا إقصاء، فكانوا لها أوفياء، وما زالوا يسجلون إمتنانهم لما وجدوه، ويوثقون حياتهم وقصصهم المُعبرة التي عاشوها خلال السنوات الماضية.
نجح مركز الملك سلمان للإغاثة، الذراع الإنساني للمملكة، في إدارة منظومة المساعدات الإنسانية والإغاثية، وإطلاق حملات التبرع الشعبية المخصصة للشعب السوري، وتنفيذ البرامج الإنسانية والإغاثية، والمشاريع الطبية التطوعية خاصة ما أرتبطها منها بالأطفال.
ومثلما كانت المملكة أول المساهمين في إغاثة المتضررين السوريين في الداخل وفي دول الجوار، خلال السنوات الماضية، كانت السباقة أيضا لإغاثة الشعب السوري بُعيد سقوط النظام، وبدأ مركز الملك سلمان في إطلاق حملة جديدة لإيصال المساعدات عبر جسور إغاثية برية، وجوية، وبحرية.
جهود المملكة الإغاثية والإنسانية، ومساندتها خيارات الشعب السوري، والتأكيد على وحدة سوريا وأمنها وإستقرارها، قابله عمل دبلوماسي مكثف، توافقت مخرجاته النهائية مع ما تحقق على أرض الواقع، لذا لم يكن مستغربا أن تكون المملكة الوجهة الأولى لزيارات، وفد الإدارة السورية الجديدة، الخارجية.
مرحلة جديدة تشهدها سوريا اليوم، ومن المتوقع أن يكون الاقتصاد السوري الأكثر استفادة منها، خاصة إذا ما رفعت العقوبات الدولية. التحسن اللافت الذي طرأ على سعر صرف الليرة، وتدفق البضائع والسلع على الأسواق، وانخفاض أسعارها بشكل كبير، بُعيد تولي الإدارة الجديدة شؤون الدولة، يعكس أهمية الأمن والإستقرار، والإدارة الحصيفة لشؤون الدولة، الحاضنة الرئيسة لإنتعاش الاقتصاد، وسلامة النظام النقدي، وتحسن صرف الليرة السورية.
مرحلة جديدة يعمها التفاؤل، أسهمت في تدفق الدماء في شرايين الاقتصاد السوري، وإعادة تشغيل أجهزة الصراف الآلي، و خدمات الدفع الإلكتروني و استأنفت المطارات الرئيسة عملها، وأعلنت الحكومة رفع رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400 % ما سيعزز فرص الانتعاش الاقتصادي.
مرحلة جديدة تحتاج إلى جهود عظيمة لإدارة الدولة بفكر تنموي، معزز للثقة المحلية والدولية بسوريا الجديدة، وتقديم برامج إصلاحية سياسية واقتصادية، وتوثيق العلاقات مع الدول الخليجية، والدول الداعمة، وجعل سوريا وشعبها محور البناء والتنمية والتطوير.