د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تتطلع السعودية إلى التكامل الخليجي والعربي وتحقيق التنمية المستدامة، وهي خطوة نحو تعزيز العمل الجماعي، هذا التحول يمثل نقلة نوعية تهدف إلى توسيع نطاق عمل المنظمة ليشمل جميع مجالات الطاقة وليس فقط البترول لملاءمة متطلبات العصر، ومواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها القطاع بما في ذلك تنوع مصادر الطاقة ودخول الطاقة المتجددة، مما يدعم موقع الدول العربية في الأسواق العالمية، وفي نفس الوقت يعزز أمن الطاقة في المنطقة.
تأسست منظمة أوابك في 1968 بهدف فصلها عن الخلافات السياسية التي كانت تسود داخل الجامعة العربية، لعبت خلال العقود الماضية دوراً محورياً في دعم السياسات البترولية العربية، واتخذت قرارات ذات أبعاد سياسية أبرزها قرار المقاطعة البترولية عام 1973.
هذا المقترح الذي قدمه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ليس جديداً بل قديم لكنه واجه عقبات بسبب تعقيدات سياسية عربية، لكن هذا المقترح أصبح اليوم جاهزاً للقبول العربي من أجل توسيع نطاق التعاون، ليشمل مجالات الطاقة المتجددة والنووية بجانب الطاقة المتجددة بعدما أصبح مطلباً دولياً، يتوافق مع الاتجاه الدولي لتوسيع مصادر الطاقة.
يهدف هذا التحول إلى تحقيق نقلة نوعية في العمل العربي المشترك لتصبح المنظمة منصة لتنسيق السياسات وتبادل الخبرات في مواجهة التحديات العالمية في قطاع الطاقة ومواجهتها بشكل جماعي بدلاً من المواجهة القطرية، وهي فرصة تاريخية في تعزيز التكامل العربي في أحد أهم القطاعات الاستراتيجية على مستوى العالم، وفي نفس الوقت دعم التنمية الاقتصادية المستدامة في المنطقة كمدخل لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي المشترك الذي لم يحقق أهدافه منذ اتفاقية إنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1957، تبعها إنشاء السوق العربية المشتركة في 1964، وإن كانت محصورة في أربع دول عربية هي الأردن ومصر والعراق وسوريا.
وبسبب عدم إنجاز أية خطوات حقيقية في الواقع الملموس تم الاتجاه إلى إبرام اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري عام 1981، ثم تشكيل مجلس التعاون الخليجي عام 1981، ومجلس التعاون العربي في 1989 بين الأردن والعراق ومصر واليمن مفتوح العضوية، واتحد المغرب العربي في عام 1989 بغية تشجيع المشاريع المشتركة وإقامة سوق موحدة بين الجزائر، تونس، المغرب، ليبيا، وهو مجلس مغلق العضوية، ولم تحقق أغلبها شيئاً سوى مجلس التعاون الخليجي، أتت على إثر ذلك دعوة إقامة منطقة تجارة حرة كبرى في مؤتمر القمة العربية انعقدت في عمان 1996، لم تحقق شيئاً أيضاً نتيجة مشاريع أوسطية الجديد والكبير والأورو متوسطي، فلا زالت التجارة العربية البينية لا تتجاوز 10 في المائة، بينما في الاتحاد الأوروبي تصل إلى 65 في المائة.
تبلغ احتياطيات العالم المؤكدة في 2023 نحو 1,57 تريليون برميل، تمتلك أوبك نحو 79,1 في المائة من إجمالي تلك الاحتياطيات بنحو 1,241 تريليون برميل، وتمتلك أوابك نحو 41,6 في المائة بنحو 653,73 مليار برميل، لكن وفق الأمين العام للأقطار العربية المصدرة للنفط المهندس جمال اللوغاني أوضح أن الاحتياطيات المؤكدة للدول العربية من النفط الخام وصلت في نهاية 2023 إلى حوالي 726,5 مليار برميل أي ما نسبته 54 في المائة من الاحتياطيات العالمية المؤكدة المقدرة بحوالي 1335 مليار برميل، مشيراً إلى أن معظم الاحتياطي من النفط الخام العربي يتركز في دول مجلس التعاون التي تستأثر بنسبة تزيد على 70 في المائة منه، وتمتلك الدول العربية من الغاز الطبيعي قدرت بنحو 56,7 تريليون متر مكعب بنهاية 2023 ما يشكل 26,7 في المائة من الاحتياطي العالمي، ويتركز معظم هذا الاحتياطي بدول مجلس التعاون بواقع 77,7 في المائة، فهي مركز الثقل الاقتصادي والسعودية قلبها.
فيما كانت إيرادات أوبك في 2023 نحو 679,7 مليار دولار منخفضة من 828,6 مليار دولار في 2022 بتراجع بلغ نحو 18 في المائة، كذلك انخفضت إيرادات السعودية في 2023 إلى 248,37 مليار دولار من 327 مليار دولار في 2022.
فيما حققت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أرباحاَ من بيع المنتجات البترولية بالتجزئة خلال فترة ما بين 2019 و2023 كان أعلى من 1,915 تريليون دولار سنوياً مقارنة بإيرادات دول أوبك خلال نفس الفترة، فيما تستثمر دول أوبك جزءاً من إيراداتها في مشروعات الاستكشاف والإنتاج والنقل كي تتمكن من تلبية احتياجات العالم من النفط بصفة مستدامة، فلابد من أن تبحث الدول العربية من السيطرة على القطاع النفطي بدلاً من أن تصبح دولاً منتجة، ولا يكفي القيام فقط بإنشاء الشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب) التي تهدف إلى الإسهام في تمويل المشروعات والصناعات البترولية وأوجه النشاط المختلفة، مع إعطاء الأولوية للمشروعات العربية المشتركة، وهو نشاط محدود.
موافقة أوابك في الاجتماع الوزاري رقم 113 للمنظمة المنعقد في ديسمبر 2024 جاء بالموافقة على مقترح السعودية بتغيير الاسم إلى المنظمة العربية للطاقة (إيه إي أو)، وهي فرصة حقيقية لخلق عمل جماعي مشترك متعدد الأقطاب يسعى لتفعيل نهج جديد في التعاطي مع إنتاج النفط العربي لما للبترول من أهمية في التنمية الاقتصادية للدول الخليجية والعربية والعالمية.
النفط لا يزال مهيمناً على مزيج الطاقة العالمي، حيث شكل 34,4 في المائة من إجمالي الطلب على النفط في 2023، فيما بلغت حصة الفحم 26 في المائة، والغاز الطبيعي 22,8 في المائة، والطاقة الكهربائية 5,9 في المائة، والطاقة النووية 3,4 في المائة، والطاقات المتجددة الأخرى 7,5 في المائة، وسيشكل النفط والغاز حصة 54,8 في المائة في 2030، وسينخفض بشكل طفيف جداً في 2045 إلى 53,7 في المائة؛ نظراً لارتفاع مصادر الطاقة المتجددة إلى حوالي 11,7 في المائة من مزيج الطاقة العالمي بحسب توقعات منظمة أوبك، فيما ربط أزمة المناخ بالطاقة التقليدية غير واقعي.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقاً بجامعة أم القرى