د. علي القحيص
لا زال العالم مذهولا وشبه مصدوم للتغيير السريع الذي حصل في سوريا، بهذه السرعة الدراماتيكية غير المتوقعة، وما كان أحد يصدق انتهاء نظام حكم ديكتاتوري دموي متسلط تحكمه طائفة بواسطة القبضة الحديدية المشددة، يدوي متهاويا ومنهارا بهذه السرعة بعد عدة عقود من الحكم «الشوفيني»، بدون بيان رقم واحد أو إراقة دماء، كما يحصل في الأنظمة الجمهورية التي تعودت على الإنقلابات العسكرية من داخل صفوفها بواسطة الدبابات والسلاح والقوة.
أثناء سقوط نظام بشار الأسد خلال 11 يوما لم يستوعبه المستفيدون من النظام المخلوع لحد الآن وهم في حيرة من أمرهم، أما الشامتون الفرحون من الشعب السوري من الداخل والخارج أصابتهم دهشة الفرحة والهستيريا من هذا الخلاص، وسرور عودتهم إلى وطنهم وديارهم ولو كانت مخربة ومدمرة بفعل المصادمات القاسية الموجعة، التي حولت مناطقهم إلى أكوام أسمنتية بفعل تصرفات النظام القمعي ومعارضيه، ومن آثار الميليشيات الدخيلة المتناحرة بينها على أرض سوريا العربية الجريحة، التي جعلها حاكمها السابق ساحة لتصفية الحسابات والإقتتال الطائفي مقابل أنه يستمر بالحكم هو وعصابته التي فرت مدبرة غير مأسوف عليها، وماقامت به من تنكيل وتعذيب وتشريد وتهجير من أبناء سوريا الشقيقة الذين ذاقوا الويلات.
وبعد زوال الغمة عن هذه الأمة التي عانت الأمرين بسبب هذا النظام المشبوه، الذي كل ما كان هناك إجماع عربي أو رأي لصالح الشعوب العربية، عارضه وارتمى باحضان الأجنبي الذي عاث بأرضه ووطنه فسادا وخرابا قبل رحيله في 8 ديسمبر من العام المنصرم.
بعد تغيير النظام وعودة عدد كبير من السوريين المهجرين إلى وطنهم، فمنهم من يتفقد داره المدمرة، ومنهم من يفتش بالاوراق القديمة التي اصفرت بفضل القدم عن أسماء أولاده وإخوته الذين اعتقلهم النظام من سنوات واختفوا، فمنهم من وجد بالسراديب يلفظ أنفاسه الأخيرة ومنهم من عثر عليه فاقدا عقله، والبعض منهم وجدوا أسماءهم في كشوفات السجون السرية حيث تم تصفيتهم بواسطة (المكابس) البشرية على يد زبانية هذا النظام الذي أوغل بالاجرام البشري بشكل شنيع وصادم، الذي لايصدق أحد سلوك الأعمال الاجرامية البشعة من حجم مآسيها بهذه الطريقة المأساوية المدانة، التي لم يرتكبها حتى غزو (هولاكو) لبغداد في فبراير عام 1258م،
وبعد أن أشرقت شمس الحرية في الشام، توالت الوفود إلى دمشق العربية للتشاور مع الحكومة الحالية، وقد قامت المملكة العربية السعودية بإرسال ومد جسر جوي متواصل من المساعدات الكبيرة للشعب السوري المنكوب، وتوالت الطائرات الإنسانية محملة بالمساعدات الطبية والغذائية والايوائية، لسد الحاجة للإخوة من الشعب السوري المنكوب.
بينما كان مطار دمشق سابقا، يغص بهبوط وإقلاع الطائرات العسكرية والحربية التي تأتي من دول بعينها، لتزويد النظام وميليشياتها الطائفية المسلحة المتطرفة، لتمدها بالاسلحة القاتلة والبراميل المتفجرة والالغام، لقتل الشعب السوري والقضاء عليه بحجة مساعدة النظام وبسط الأمن، كما تزعم وتدعي تلك المنظمات الإرهابية، وحين سقط النظام ولت مدبرة هاربة أمام جموع الشعب السوري أنبرى ليحرر وطنه من التدخلات الأجنبية والإقليمية، لأن الميليشيات الهاربة لا ترتبط بالأرض أو البيئة والمكان، بل ارتباطها الطائفي بأشخاص، لذلك تبخرت وانهزمت وتوارت عن الأنظار، من أول يوم سقط أول تمثالا للرئيس المخلوع، لأن هذه التماثيل سقطت بسرعة مدوية بدون عناء، لأنها شيدت بايادي مرتجفة وخائفة، والمرتجفون لايصنعون التاريخ ولا يبنون مجدا لوطن!
والحكم الحالي لسوريا مرحب به من كل الدول والأطراف، مهما كان شكله ولونه ومنهجه، لأنه يعتبر المنقذ الذي حطم الجدار الأسمنتي القوي، الذي بني على جماجم الشعب السوري الاعزل، وهو الذي يقرر من يحكمه بعد ( الأسد) الذي فر هاربا خلرج الحدود، فما قيمة الألقاب إذا لم تكن تحمل صفاتها الحقيقية وتتشبث بالأرض؟!
** **
- كاتب سعودي