د. محمد عبدالله الخازم
أكتب عن التنمّر في الأوساط الأكاديمية والطبية - رغم حساسية الموضوع- مع ملاحظة أن عين الناقد تبرز الأمور وتكبرها، دون تعميم ودون إطلاق أحكام قاطعة. التنمر المقصود، إساءة أو إيذاء لفرد أو مجموعة، على شكل لفظي أو جسدي أو نفسي أو عاطفي، غالباً ما يكون من قبل أشخاص أعلى رتبة، وظيفية/ علمية/ بحثية/ أكاديمية/ مهنية. مثال، تنمر البروفيسور على الأستاذ المساعد أو المحاضر، الاستشاري على المستجدين والمتدربين، المدير/ الرئيس على بقية الزملاء، إلخ. وقد يحدث عبر تفضيلات أخرى شائعة في الوسط الأكاديمي والطبي، مثل مصدر الشهادة العلمية (هذا خريج أمريكا وذاك خريج بريطانيا) أو التخصص (هذا جراح وذاك طبيب أسرة)، ..إلخ. الموضوع عام، لكنني أركز على المجالين الأكاديمي والصحي للإيضاح بأن التنمر سلوك يرتكبه حتى أصحاب الشهادات والمهن العليا.
أهم أسباب التنمّر
1 - التراتبية/ الطبقية المهنية أو الأكاديمية، فذاك استشاري وأخر مقيم وذاك بروفيسور وأخر مساعد، إلخ. كذلك، التراتبية الوظيفية، عميد ورئيس قسم ومدير تنفيذي، إلخ. تلك التراتبية يفهمها البعض تسلط يبيح له التنمر على الأدنى مستوى/ رتبة.
2 - التنافس المؤذي، وهذا شائع في بيئات العمل التنافسية، حيث لا يدرك البعض حدود التنافس دون إيذاء وتنمر على الآخرين. مؤسف اعتباره سلوك معتاد، وفق الفلسفة (البراغماتية)؛ الوصول والفوز هو الأهم، لست مسؤول عن مشاعر الغير.
3 - الخوف من الإبلاغ أو التعبير عن الأذى من قبل المتضررين، حين يعتقدون بعدم وجود الإنصاف وعدم الجدوى من الشكوى. يبرز الأمر بالذات في البيئات السلطوية والمغلقة والأحادية، التي لا تسمح بسهولة التواصل بين مختلف مستويات العاملين فيها.
4 - عدم إدراك مفهوم التنمر واعتباره أمراً عادياً، ضمن طبيعة الممارسة المهنية والتدريبية. حجتهم، نحن نعلمك العمل تحت ضغوط وظروف صعبة!
5 - الصمت من قبل المتضرر، خشية العزلة وإظهار الضعف أمام الآخرين. التظاهر بالقوة على حساب الألم..
6 - الحماية الاجتماعية أو المؤسسية. قد يجد بعض الأفراد أن نظام المؤسسة أو المجتمع يدعم المتنمر في أفعاله العدائية. يتم ذلك، أحياناً، بشكل معلن أو مضمر، بحجة أنه يسيء لاسم المؤسسة.
كيف يمكن مكافحة التنمّر؟
1 - تطوير السياسات واللوائح الواضحة التي تحد من سلوكيات التنمر وتوضح قنوات التعامل معه بشكل فعال.
2 - تنفيذ حلقات وحملات توعية وتثقيف كافية بالموضوع داخل المؤسسات وخارجها، بما في ذلك تعرية الثقافات والسلوكيات السائدة والمعززة لاعتبار التنمر ظاهرة طبيعية.
3- تحفيز بيئات التواصل المفتوح والفعال بين مختلف المستويات دون خوف أو قمع لرأي أو سلوك دون الآخر.
4 - تحفيز الأقران لدعم المتضرر من التنمر، سواء بالدعم المباشر أو الشهادة عندما يقتضي الأمر. إنه لأمر صعب أن تجد الزملاء صامتين عن الحق مجاملين للأعلى رتبة أو منصباً، إما خوفاً أو تردداً أو تعزيزاً لما يحدث كجزء من التنافس السلبي بين الأقران.
5- توفير خدمات دعم مؤسسية وفق ضمانات سرية وقانونية تحمي المتضرر. مثال إيجاد وحدات/ لجان تتعامل مع قضايا التنمر وتساعد في رفع الأذى النفسي والإجتماعي والمعنوي والوظيفي عن المتضرر، وتساعد المتنمر على تعديل سلوكياته ذات العلاقة.
6 - التعامل مع الحوادث، سواء فردية أو جماعية بشكل جاد من قبل المؤسسة، ومن قبل المسؤول. لا تقلل من شكوى الآخرين، ولا تحكم عليها وفق ثقافتك، بل وفق ما يجب وما يفترض أن تفعله تجاهها.
ويبقى السؤال الذي أود سماع رأي القراء حوله؛ هل التنمر في الأوساط الأكاديمية والطبية المحلية، ظاهرة تستحق الاهتمام؟