د. تنيضب الفايدي
6 - اعتدال الكلمات:
من مميزات اللغة العربية أنها خالٍ من الكلمات الأصلية الطويلة التي تزيد على خمسة أحرف فهي تميزت باعتدال كلماتها فإننا نجد أكثر ألفاظها قد وضع على ثلاثة أحرف، وأقل من الثلاثي ما وضع على أربعة أحرف، وأقل من الرباعي ما وضع على خمسة أحرف، وليس في اللغة العربية كلمة ذات ستة أحرف أصلية، وقد جاءت ألفاظ قليلة جداً على حرف واحد أو حرفين. هذا لئلا يطول النطق فيعسر على اللسان.
7 - التعريب:
من مميزات اللغة العربية التعريب وهو عملية تهذيب كلمة خارج اللغة وفقاً لأوزان العربية وأبنيتها، فالعربية لها قدرة فائقة على تمثيل الكلام غير العربية وتعريبها حسب قوالبها بعد التعديل فمثلاً: الترياق، والقنطار، والفردوس، والقسطاس، الكافور، الزنجبيل، الديباج، السندس، الصابون، الصندل، وغيرها من الكلمات أعربت في قوالب العربية وهي أصلاً كلمات غير اللغة العربية.
وعكس تماماً فقد أخذت اللغات الأخرى كلمات عربية لسهولة النطق ولخفتها على اللسان فقد أورد المستشرقان (انجلمان ودوزي) في كتابهما: معجم المفردات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية) أن الكلمات العربية الموجودة باللغة الإسبانية تعادل ربع كلمات اللغة الأسبانية، وأن في اللغة البرتغالية ما يربو على ثلاثة آلاف كلمة عربية. كما أن للمستشرق (لامانس) في كتابه (ملاحظات على الألفاظ الفرنسية المشتقة عن العربية) ما يربو على سبعمائة كلمة عربية دخلت اللغة الفرنسية. وقدم الأستاذ تيلور بحثاً عنوانه: الكلمات العربية في اللغة الإنجليزية (Arabic words in English) مورداً فيه ما يزيد على ألف كلمة عربية في الطب والكيمياء والفلك والبيولوجيا والجراحة دخلت اللغة الإنجليزية.
8 - الوجوه والنظائر:
هناك ذخائر لمفردات اللغة العربية يعطي المفرد الواحد عشرات المعاني، وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن، حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى عشرين وجهاً أو أكثر أو أقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر. وقد صنّف في ذلك عدة مؤلفات فمثلاً كلمة (الأمر) وردت في القرآن الكريم على سبعة عشر أوجه: الأول: الدين، قال الله تعالى: {وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ} (48) سورة التوبة. يعني: دينه. الثاني: القول، قال الله تعالى: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} (21) سورة الكهف. الثالث: وقت الوعيد قال: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا} (40) سورة هود. أي: حضر وقت وعيدنا. الرابع: العذاب، قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} (22) سورة إبراهيم. أي: وجب العذاب، الخامس: تمام العذاب وبلوغ المراد منه قال تعالى: {وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ} (44) سورة هود. السادس: بمعنى الشيء قال: {وَإِذَا قَضَى أَمْراً} (117) سورة البقرة. أي: إذا أراد إحكام شيء لم يتعذر عليه. السابع: هزيمة الكفار وقتلهم ببدر، قال الله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} (44) سورة الأنفال، ثم قال: {لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً} (44) سورة الأنفال. أراد هزيمة الكفار وأسرهم جزاء لهم على كفرهم ونصرة المؤمنين عليهم. الثامن: القيامة، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} (78) سورة غافر، يعني: القيامة. التاسع: فتح مكة، قال الله تعالى: {فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ} (24) سورة التوبة. قالوا: أراد فتح مكة. العاشر: قتل قريظة وجلاء النضير، قال الله وحده: {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ} (109) سورة البقرة. الحادي عشر: بمعنى القضاء، قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ} (5) سورة السجدة. الثاني عشر: الوحي، قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ} (5) سورة السجدة. الثالث عشر: بمعنى النصر والسلطان قال الله تعالى: {هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} (154) سورة آل عمران. يعني: أن الغلبة لأولياء الله. الرابع عشر: الذنب، قال الله تعالى: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} (9) سورة الطلاق. أي: جزء ذنبها. الخامس عر: الأمر خلاف النهي، قال الله تعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} (16) سورة الإسراء. أي: أمرناهم بالطاعة فعصوا. السادس عشر: إظهار أمر المنافقين، قال الله تعالى: {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} (52) سورة المائدة. السابع عشر: العلم، قال الله تعالى: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء. قيل: يعني: العلماء. ومنها كلمة « الهدى» جاء في القرآن على سبعة عشر أوجهاً، وكذلك (الأمة) في القرآن الكريم جاءت على عشر أوجه.
والآن أصبحت اللغة العربية إحدى اللغة العالمية الرسمية لدورها المنشود في مختلف ميادين الحياة، فهي صالحة أن تكون لغة عالمية، إن اللغة العربية هي اللغة الأم لأكثر من 270 مليون شخص حول العالم حتى الآن، لذلك صنفت في المرتبة السادسة في ترتيب اللغات الأكثر استخداماً، مما يعني أنها لغة حية قادرة على النهوض للأمة العربية متى استشعر أبناؤها قيمة هويتهم العربية واعتزازهم بلغة القرآن الكريم.
إن اللغات تضعف وربما تموت إن لم يحيها أهلها فهي كالكائن الحي إذا أهملت تغذيته مات واندثر، وكم هناك لغات لا حصر لها ماتت واندثرت لإهمالها من أهلها، أما لغتنا و-لله الحمد- فهي لا تزال باقية من عدة قرون، ولكن تأتي علينا المسؤولية وخاصة في الوقت الحاضر مع دخول عدة وسائل تؤثر على اللغة العربية بشكل سلبي إن لم نحافظ عليها وذلك بالتطوير والتجديد وبيان أهميتها و خصائصها ومميزاتها، و كذا الاستفادة من خطوات الأمم في إحياء لغاتها.
بعض المراجع:
فقه اللغة وسرّ العربية للثعالبي، الأشباه والنظائر للسيوطي، سر الفصاحة للخفاجي، مكانة اللغة العربية في ضوء تلازمها بالقرآن الكريم للدكتور محمد زيدان، الاستثمار في اللغة العربية على مستوى التعليم العام للأستاذة وهيبة السيد الشنيتي،البرهان في علوم القرآن للزركشي، الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري، شواهد من اللغة العربية في ضوء الاهتمام العالمي بها للدكتور تنيضب الفايدي.