أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني/ تصوير - تهامي عبدالرحيم:
كان يحلم أن يكون طبيباً، وكان والده حريصاً على تعليمه، كان متفوقاً في كل المراحل، جاء من المدينة المنورة متغرباً باحثاً عن دراسة الطب، التحق بجامعة الملك سعود وحقق بداية أحلامه، وتخرج وذهب إلى خارج المملكة ليعزز رغبته في طب القلوب، ومدرباً في أعرق الجامعات الكندية، خدم في العديد من قطاعات الدولة وفي المستشفيات الخاصة المرموقة..
رحلتنا في «رجال خدموا الوطن» مع الاستشاري والطبيب د. محمد بن إبراهيم كردي الذي خدم وطنه 33 عاماً من الطموح والكفاح.. نص الحوار:
* أين كانت النشأة؟
- كانت النشأة في المدينة المنورة في حي قباء حيث كان يعمل والدي في مطار المدينة المنورة في الخطوط السعودية، ووالدتي من بيت يهتمون بالصحافة بالثقافة وهي أخت الخال علي عثمان حافظ من مؤسسي صحيفة جريدة المدينة المنورة..
* كيف بدأت حياتك مع التعليم؟
- درست المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في المدينة المنورة تخرجت بتفوق وامتياز، بعدها التحقت بجامعة الملك سعود في مدينة الرياض في عام 84 - 85م في مجال الطب ودرست في كلية الطب حتى عام 1991م تخرجنا من هذه الكلية، ثم بدأنا بدراسة درجة الامتياز أثناء فترة حرب الخليج، وقد توجهنا إلى مجال التطوع للعمل مع القوات المسلحة في مجال الخوف من الحرب الكيماوية، وعقب ذلك تخصصت في دراسة الامتياز في مستشفيات مدينة الرياض بين المستشفى العسكري والحرس الوطني ومستشفى الأطفال في السليمانية..
توجهت إلى لندن لدراسة اللغة الانجليزية، وقد تجاوزت اللغة، وبدأنا بعد ذلك في السنة التحضيرية التي فيها جميع التخصصات تعرفت على كثير من الزملاء الذين هم حالياً في مناصب قيادية في مجالات الطب.
* كيف بدأت حياتك العملية بعد المرحلة مع دراسة الطب؟
- بعد حصولي على درجة الامتياز عملت في المستشفى العسكري طبيبا مقيما في قسم الباطنة، كان هناك أعداد كبيرة من الأطباء غير السعوديين من البريطانيين والاستراليين يعملون معنا في مجال الطب ومجال التمريض، وكان هدفي أن أكمل دراستي خارج المملكة، وبالفعل جهزت نفسي وتقدمت لجامعة الملك سعود للابتعاث وكنت محظوظا أن حصلت على هذه البعثة حيث درست في إحدى الجامعات في (كندا) في مجال الباطنة وحصلت على أفضل متدرب ومعلم في هذه الجامعة، درست جميع الطلاب من مختلف دول العالم في تلك الجامعة.. والجائزة التي حصلت عليها كأفضل معلم أفتخر بها..
* تحولت لدراسة أمراض القلب
بعد ذلك تحولت لدراسة أمراض القلب وعمليات القسطرة والشرايين وتم قبولي في أحد الجامعات في كندا ولمدة خمس سنوات وفي السنة الأخيرة طلبوا مني ممارسة هذا النوع من الطب داخل هذه الجامعة، عدت إلى المملكة لجامعة الملك سعود على وظيفة أستاذ مساعد في المجال الطبي، وبدأنا العمل لتغيير الخطط التعليمية والتغيير في مجال عمليات القسطرة وتطوير الأقسام وتحسين الخدمات الطبية في المجال الطبي، وخاصة جراحة القلب لمدة 4 سنوات، عقب ذلك عرض علي العمل في مدينة الملك فهد الطبية رئيساً لقسم أمراض القلب في مركز الملك سلمان لأمراض القلب في هذه المدينة الطبية الكبيرة، وقد افتتح هذا المركز ومدينة الملك فهد الطبية من قبل سمو أمير منطقة الرياض، وقد بدأنا في تأسيس برنامج للأطباء السعوديين في مجال الماجستير في تخصص تقنية القلب وتطوير العمل في هذا المركز وإدخال أحدث الأجهزة.
وقد انتهت إعارتي من قبل الجامعة لهذه المدينة وكانت نظرتي أكبر التوجه للقطاع الخاص انتقلت للعمل في مستشفى المملكة عام 2009م وأسست مركز القلب والقسطرة والعناية المركزة لمدة سنتين، ثم عملت في مستشفى الحبيب وتم بناء أقسام القلب، وعملنا عمليات لم تكن تعمل من قبل في مجال زراعة القلب الصناعي عن طريق القسطرة لمدة 7 سنوات، توجهت إلى تأسيس العديد من البرامج والمشروعات مع بعض المستثمرين في المجال الطبي.. وعيادات خاصة.. انتقلت إلى مجموعة (رناء) الطبية في شمال المدينة الرياض، ثم بعد ذلك تم انتقالي إلى أحد المستشفيات في المنطقة الشرقية لتحسين الخدمات في هذا المستشفى لمدة سنتين ووضعت لهم برنامجا تطويريا، وتم تغيير كثير من الخدمات.. وحالياً عدت إلى مستشفى الحبيب الجديد شمال مدينة الرياض طبيب استشاري بعد رحلة طويلة مع العديد من المستشفيات قاربت 33 عاماً ولا زلت عضواً في العديد من الجمعيات الطبية داخل المملكة وخارجها.
* كم عدد العمليات التي أجريتها حتى الآن؟
- عدد العمليات التي أجريتها ما يقارب من 2500 عملية في بعض الأحيان 400 عملية في السنة وهذه العمليات زراعة قلب صناعي، وعلاج ارتفاع الضغط بالقسطرة وزراعة القلب الصناعي نتائجها جيدة وجبارة وتنقذ حياة المريض..
* ما هو تأثير اللحوم والشحوم والسمن الحيواني على صحة القلب وهل من أضرار؟
- موضوع الشحوم والدهون من الأكلات المرغوبة والتي يقبل عليها الناس ويحبونها، وبالتالي ارتفاع الكولسترول في الدم يؤدي إلى تصلب الشرايين خاصة أن الكولسترول في الدم مصدره الكبد.. والكبد هي التي تصنف الوضع الجيني الوراثي للمريض وبالتالي الأكل يحتل تقريباً 20 % من حجم الكولسترول في الدم الكولسترول غالباً هو وراثي، لذلك أقول الحمية وتقليل النشويات والرياضة تؤدي إلى خفض الكولسترول في الدم..
* ولكن أيهم أفضل للجسم هل السمن الحيواني أم النباتي؟
- الزيوت النباتية هي أفضل للجسم من السمن الحيواني لأن السمن بشكل أكبر الحيواني مشبعة بالشحوم وتترسب، أما الزيوت النباتية مثل زيت الزيتون (أوميقا ثري) فهي أفضل وننصح المريض باستخدامها خاصة للدورة الدموية في المخ.. لأن هناك دراسات تشير بأن الأشخاص الذين يستخدمون (أوميقا ثري) والذي هو موجود في لحوم الأسماك وزيت الزيتون لا يتعرضون لإصابة الشرايين في المخ..
* هل الزيوت الموجودة في الأسواق مناسبة للاستهلاك الصحي؟
- من خلال الدراسات والأبحاث هي زيوت لا بأس بها لأن أي زيت يتعرض للتسخين يفقد خواصه.. وأنصح بأخذ زيت الزيتون دون تعريضه للحرارة فهو أفيد ومفيد للقلب.. والسمن البلدي هو مفيد ومغذي للجسم خاصة للأشخاص الذين ليس لديهم أمراض السكر أو كولسترول.. لكن المشكلة في الأشخاص الذين لديهم كلسترول ننصحهم بتجنب الدهون والإفراط فيها حتى لا يصابون بأمراض القلب وهدفنا وقائي.
* أين نحن في المملكة من العالم في أمراض القلب وتصلب الشرايين؟
- الدراسات التي أجرتها جامعة الملك سعود في الفترة الماضية تشير وتبين لنا أن المملكة ودول الخليج أعمار الناس أصغر سناً من أعمار الناس في أوروبا ودول أخرى بـ 10 سنوات بسبب طبيعة أكلنا وطبيعة الحياة والوراثة، ولا زلنا من الشعوب التي تعاني من أمراض القلوب في أعمار صغيرة، كما أن هناك زيادة كبيرة في التدخين، ولكن الشيء المفرح بأن الجيل الجديد أصبح يمارس الرياضة، وهذا شيء جيد وجميل على صحة الشباب.
* هل أمراض القلب عند الرجال أكثر أم في النساء؟
- الرجال أكثر عرضة لأمراض القلب من النساء على مستوى العالم، لكن المرأة عندما تصاب بأمراض القلب فإن الخطورة عندها أعلى من الرجل.
* ما هي أعقد عملية أجريتها؟
- هناك العديد من العمليات الصعبة والشاقة والمعقدة وعمليات القلب دائماً خطيرة، ولكن إذا كان الطبيب ماهرا فلا خوف على المريض بعض العمليات تأخذ ساعات وبعضها الآخر دقائق معدودة لأن التقنية والأدوات متقدمة، وقد وفرت حكومتنا الرشيدة أحدث الأجهزة المتطورة.
* موضوع القسطرة هل لها عمر معين في الشرايين؟
- ليس لها عمرا معينا لأنه عندما تركب الدعامات في الشرايين يبني الجسم عليها. من هنا لابد للمريض أن يأخذ العلاج بانتظام خاصة علاج الكولسترول ويمارس رياضة المشي وحتى يحافظ على هذه الدعامات ولا يحصل انسدادات من جديد لهذه الشرايين..
* من مثلك الأعلى في هذه الحياة؟
- كل مرحلة لها فكر معين ووالدي في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية هو مثلي الأعلى لأنه مكافح ورجل أسرة من الدرجة الأولى.
* من هو قدوتك في هذه الحياة؟
- قدوتي أستاذي الذي درسني في جامعة (كندية) وعملت معه عدة عمليات، فهذا الرجل عندما أدخل غرفة عمليات القلب في المملكة أتذكره أشوفه في خيالي لأنه علمني الشيء الكثير..
* ماذا أعطاك الوطن؟
- الوطن أعطاني كل شيء لم يبخل علي بشيء منذ أن كنت في الابتدائية، ومهما عملنا لن نؤتي الوطن حقه، فهو أعطاني الأمن والأمان والتعليم، وكل نعمة نحن فيها أساسها من خير وعطاء هذا الوطن وقيادته.
نحن أثبتنا للعالم أننا أذكياء، ولدينا طموح وقدرات هائلة لأن قيادتنا ووطننا قدموا لنا كل ما نحتاج إليه.
* كيف تنظر إلى اللحمة الوطنية؟
- علاقتنا بقيادتنا كبارا وصغارا ونساء ليس لها مثيل، فهي علاقة حب لهذه القيادة، علاقة أخوة، وعلاقة متينة على عقيدة صحيحة.. علاقة فيها إخلاص للدين والوطن، ولهذه القيادة التي لم نجد منهم إلا كل خير.. ونحن علاقتنا كعلاقة الابن بالأب ليست علاقة عادية، ونحن تربينا على هذا الشيء منذ أن توحدت هذه البلاد.
* كيف تنظر إلى رؤية المملكة؟
- رؤية المملكة كانت حلما، واليوم أصبحت واقعا ملموسا ويعيشها المواطن.. وولي العهد الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله- عقلية فذة غير ملامح المملكة 180 درجة خلال 9 سنوات الماضية وأصبحنا في تطوير مذهل ومتسارع.
* كيف تنظر إلى السياحة في المملكة؟
- السياحة عندنا كانت مهملة، ولكن الاستراتيجيات التي تم وضعها ساهمت في الآونة الأخيرة من صناعة سياحة جيدة، فهناك السياحة الدينية ولدينا الطبيعة ولدينا المعالم الأثرية، ولا زال الطريق أمامنا طويلا والسياحة في المملكة تتطور.. وهي من أهم مداخل المملكة اقتصادياً وتتطلع إلى وجود سياحة علاجية في المملكة، والسياحة العلاجية ستكون جزءا من المستقبل، لأننا نملك مستشفيات كبيرة مثل مستشفى الملك فيصل الذي يملك أول زراعة قلب بواسطة (الروبورت) من غير فتح الصدر للعمليات التقليدية، وسيكون المركز الأول الذي تحول له الحالات الصعبة لأمراض القلب، كذلك لدينا مستشفيات مرموقة مثل مستشفى الحرس الوطني، المستشفى العسكري كلها متقدمة، وتملك من القدرات المؤهلة الكثير، وكذلك عمليات فصل التوائم نجحت فيها المملكة ولدينا مدينة الملك فهد الطبية، والمستشفيات الأهلية الكبيرة لديها إمكانات قوية.
* كيف تنظر إلى الترفيه؟
- السفر للخارج يعتبر عادة أكثر منها حاجة، لدينا كل مقومات الترفيه في المملكة، ولم نعد في حاجة للسفر للخارج، لدينا مواسم رياضية وترفيه في شتى مناطق المملكة، قدمنا رؤية إذا اكتملت ستكون لدينا مناطق ترفيهية في جميع مناطق المملكة.
* أين تكمن المتعة بعد التقاعد؟
- تكمن في المحافظة على الصحة وممارسة الرياضة والمشي وعدم التفكير في أي شيء والتفكير الزائد على الصحة معيق، استمتع بالحياة مع الأسرة والوقت أكثر من العمل.
* ما هي التحديات التي لا زالت تواجهنا؟
- نحتاج إلى تطوير التعليم وخلق البيئة التدريبية والعقليات التي تعمل من أجل أن ننافس الآخرين والشعوب التي كنا نعتمد عليها، نحن حالياً نعتمد على التمريض الأجنبي، وعلينا أن نتوسع في القبول في كليات الطب واستحداث كليات للتمريض وبرامج قوية للتمريض وفتح جامعات أهلية في مجال الطب بأنواعها ونعمل على تأسيس برامج متنوعة في المجال الصحي خاصة أننا لم نغط سوى 20 % من التمريض وفي مجال الأطباء كل سنة، وهناك زيادة في عدد الخريجين وقد تجاوزنا في هذه النسبة إلى أكثر من 35 % وقريباً سنصل إلى معدلات جيدة.