د. سامي بن عبدالله الدبيخي
إيماناً منها بأهمية الجبال المحيطة في تكوين شخصية المدينة وتشكيل هويتها التاريخية، عملت مدينة كيوتو Kyoto على وضع تشريعات عمرانية تكرس المحافظة على مظهر الجبال وصيانة الإطلالات البصرية عليها من مختلف مناطق المدينة، وجعل منظر الجبال جزءاً من خلفية المشهد الحضري التي ترافق منظر الإطلالة البصرية لأي تصميم عمراني على طريقة تقنية فن الشاكي الياباني The Art of Shakkei or Borrowed Landscape.
تمتد التجربة اليابانية في تشريعاتها للمحافظة على المظاهر الجبلية المحيطة بالمدينة من ثلاث جهات ومناظرها الطبيعية كجزء من هوية المدينة وشخصيتها لثلاثينيات القرن الماضي. وتوالت التعديلات بعد ذلك حتى سنة 1973 حيث وُضع 45 متراً كحد أقصى لارتفاعات المباني. إلا أن ذلك لم يكن كافياً للحد من تدهور المناظر الطبيعية للتشكيلات الجبلية المحيطة والإطلالات البصرية عليها، فتم تعديل الحد الأقصى للارتفاعات مرة أخرى سنة 2007 حيث تم تخفيضها بمقدار 30 % ليصبح 31 متراً بدل 45 سابقاً. كما دُعمت هذه التشريعات باشتراطات عمرانية لضبط وحماية الإطلالات البصرية البعيدة وعدم حجب منظر التشكيلات الجبلية وتضاريسها في خلفية المشهد الحضري للمدينة. لذلك وُضعت ضوابط صارمة لارتفاعات المباني عند سفوح الجبال؛ منعاً لأي تدخل يهدد تركيبة الجبال سواء بالتوسع الأفقي للعمران أو بتمدده الرأسي.
وكان منطق القائمين على مدينة كيوتو يستند إلى مبدأ إذا كان المبنى بطبعه ملكية خاصة، فإن جمالية المظهر العمراني وهوية المدينة حق عام، ولهذا تم سن كل هذه الترسانة من التشريعات العمرانية الصارمة لعدم التعدي على مظهر الجبال الطبيعية وتكويناتها التي طبعت هوية المدينة وشكلت عمقها التاريخي على مدى قرون خلت.
كما تم وضع تشريعات عمرانية لتحديد 38 موقعاً بإطلالات بصرية رائعة وحماية المناظر الطبيعة الجميلة Vistaed View Preservation Zone Designation ومناظر الإطلالات القريبة أيضاً (حتى 500م) التي تخص المشهد الحضري للتصميم العمراني للشوارع والأحياء.
وقد عادت هذه التشريعات بفوائد جمة على المدينة التي كانت عاصمة اليابان حتى عام 1868 التي يسكنها زهاء 2,6 مليون نسمة، حيث تستقطب سنوياً زهاء 50 مليون سائح للاستمتاع بمناظرها الجبلية الخلابة وشخصيتها التاريخية المميزة وهويتها المتفردة.