د.محمد بن عبدالرحمن البشر
لم يترك حكام الكيان الإسرائيلي فرصة لقادة سوريا الجدد حتى يلتقطوا أنفاسهم، فقد بادروا بحملة عسكرية هي الأقوى على الإطلاق منذ الترتيب لإنشائه بعد الحرب العالمية الثانية، أي قبل أكثر من سبعين عاماً، فدمروا جميع العتاد العسكري المتهالك التابع للجيش السوري، ولم يكتف بذلك بل قام باحتلال مزيد من الأراضي السورية، أضافها إلى احتلاله السابق للجولان، فسطى على المنطقة العازلة المقررة من عام 1974، وأضاف لها أيضاً جبل الشيخ ومناطق وقرى أخرى، وكانت المملكة العربية السعودية أول الدول التي أدانت هذا الإجراء المخالف للقانون الدولي، كما إدانة الاعتداء على الأراضي السورية وجيشها، وناشدت المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته لردع العدوان.
ادعى حكام الكيان أن هذا اجراء مؤقت لحماية ما تحت يده، وقد أيدته في ذلك دولة فاعلة، ولا أعلم مبرراً أوهى من هذا المبرر، فمن المؤكد أنه لا يوجد في القانون الدولي ما يسمح لكل دولة أن تحتل أرض جارتها بحجة حماية أرضها من أمر محتمل قد يحدث أو لا يحدث، ولو كان الأمر كذلك لا قتطعت كل دولة ما تريد من أرض جارتها، وعاش العالم في فوضى عارمة دون قيود، لكن لأن الكيان الإسرائيلي مطلق اليد من قبل الدول الفاعلة، أصبح يفعل ما يشاء مدفوعا بأيدولوجيا متطرفة، لا سيما أن الدول المجاورة له ليس لديها القوة العسكرية الرادعة، مع تراخي المجتمع الدولي في اتخاذ أي إجراء حتى يفضي إلى كبح جماحها لأسباب واضحة لمن يعرف التأثير المطلق لأدوات الضغط الموجودة داخل بعضاً من الدول الكبرى.
ويبدو أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، فالرغبات أكبر من ذلك، والغاية المساس بوحدة سوريا، وإضعاف الحكومة المركزية، لصنع مكونات موالية بحسب ما يريد الكيان، وهذا أمر بديهي واضح للعيان، طرحه رئيس وزراء الكيان، وقد كان الأمر جلياً، فحرصت المملكة العربية السعودية على الحفاظ على وحدة سوريا، وأصدرت بيانات تؤكد موقفها الثابت للحفاظ على سوريا الموحدة والمستقلة ذات السيادة على جميع أراضيها بموجب القانون الدولي.
القيادات الجديدة التي تحكم سوريا الآن أظهرت وجها آخر جيداً غير ما كانت تعرف به عند الكثير، ويبدو أنها فوجئت بما فعله الكيان الإسرائيلي، ولم يخطر على بالها وعلى بال الكثير أن تتم هذه الضربات المتتالية بهذا الحجم والتدمير الهائل للجيش السوري، واحتلال هذه المساحة من الأراضي ذات المواقع الإستراتيجية وغير الإستراتيجية على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وبمباركة من الدول الداعمة الكيان الإسرائيلي دون اكتراث بالقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، والاتفاقات المبرمة، وسعت المملكة العربية السعودية إلى جمع العرب وإسماع صوتهم للدول الفاعلة، وغير الفاعلة، لكن يبدو أن القانون الدولي مغيب فيما يخص دولة واحدة شرق أوسطية، وهو كذلك عندما يكون الأمر متعلقا بمصالح الدول النافذة، والقادرة عسكرياً .
وأظهرت القيادات الجديدة تبصراً محسوباً في موقفها مما فعلته تلك الدولة المعتدية ومطلقة اليد دون رادع.