عبدالعزيز صالح الصالح
يمتاز التاريخ الإسلامي بصفحات عدة من البلاغة والخطابة سواء على نطاق القادة أو الولاة أو على عامة الناس ومن هؤلاء الذين برعوا فيه مجال الخطابة والبلاغة شخصية مثيرة ومميزة لا يسعنا إلا أن نتأمل في مسيرة حياة هذا الرجل التاريخية حتى نتعرف على بلاغته من خلال خطبه ورسائله، إنه زياد بن أبيه نتحدث هنا عن جانب البلاغة التي يمتاز بها، فقد ولد قبل الهجرة بقليل كما جاء في كتاب التاريخ الطبري -كان الخليفة عمر بن عبد العزيز لا ينسب زياداً إلى أي تسمية كانت وإنما يقول له صاحب البصرة. فقد قال الحافظ ابن عساكر- في تاريخ دمشق يذكر أن زياد ابن أبيه أدرك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يره وأنه أسلم في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد كلفه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمهمة كبيرة في اليمن وبرع زياد في هذه المهمة وظهرت كفاءته الإدارية في الكتابة والحساب فقد كان زياد حاسباً ما هراً دقيقاً، حيث يُكل إليه من قبل الولاة وقادة حملات الفتوح أمر الكتابة وتوزيع الغنائم بالإضافة إلى موهبته الخطابية البلاغية، فهذه الموهبة أحد مؤهلاته في الصعود إلى سلم الحياة السياسية، فقد وصفه الخليفة عمر بن الخطاب بالخطيب المصقع فقال عمرو بن العاص لله در هذا الغلام -فقد سارت حياة زياد بن أبيه يتقلب في المناصب ويشترك في الخلافات السياسية التي وقعت في تلك الحقبة الزمنية- فهو رجل داهية في الحكم متمكن في عمله شديد المراس لين بدون ضعف وشدة من غير عنف. فكانت خطبه تمتاز بالوعيد الإيجازي - وقد استحدث في خطبه ما يسمَّى بالاستدراج الخطابي، فهو يُحمل كلماته بلاغة تهويلية قوية تمس أحاسيس المستمع إلا أنه يستدرج المستمع عن طريق انتقاء العبارات الرنانة -يشعره أنه في وسعه أن ينتقم من الحاضر والغائب معاً- وقد تميزت الخطابة في عصر الدولة الأموية والتي تؤكد علو كعب العربي وبلوغه هذه المكانة التي جعلته سيداً للكلمة يستخدمها حسبما يريد وكما يرغب في الحديث بها.. وتلك المكانة التي جعلت العربيِّ يدعو الكلمة فتهرع إليه لتكون طوع أمره ومراد هدفه.
والله الموفق والمعين.