د. محمد بن عبدالرحمن الحربي
عن طريق الصدفة، قابلت أحد أولياء الأمور الذين سبق أن درَّستُ أحد أبنائهم لسنتين متواليتين في الصف الخامس والسادس، بعد السلام والاطمئنان عن الحال، بادرته بالسؤال، ما أخبار الابن محمد؟
سكت قليلاً! وفي حلقه جرعاتٌ وغصاتٌ من الألم!
ثم قال: يطلبُكَ الحِل، لقد استوفاه الله!
صُدمتُ في تلك اللحظة، ولكني تماسكت وعزيته وقويته، فوجدته إنساناً صابراً ومحتسباً.
قال لي: وجدناه في فراشه ساكناً وقد سلّمَ روحه لربه!
وأخبرني أنه كان مريضاً بالسكر، ولم يشكُ تلك الليلة من ارتفاع أو انخفاض، هو أجله، ولكل أجل كتاب.
دعوتُ لهم بخير، وأن يعينهم الله بالصبر والخلف.
وانصـرفت؛ لكنّ سجل ذلك الطالب الهادئ الذي لا تكاد تسمع له صوتاً بدأ بالطواف معي خلال سنتين يمرُّ على ذاكرتي سـريعاً.
أبحثُ فيه عن أحداث أو أقوال أو تصـرفات معه تشفع لي عند الله وأحتسبها أجراً وذخراً!
وبالمقابل أتذكر وأبحث فيها عن حدثٍ أو قولٍ أغلظتُ فيه، لذلك الطالب كي أستغفر الله من ذلك الذنب.
بدأتُ أسأل نفسـي هل أحسنتُ معه أم أسأتُ؟ هل أعطيته حقه أم لا؟
هل كان يذكرني بالخير؟ أم لا يطيق سماع اسمي!
هل سـيشكوني عند الله؟ أم سـيشكرني!
لا أدري أهي موجاتٌ من الحزن، أم لحظات من الفرح أعيشها في ذلك السجل!
رحل عن الدنيا، ولا نقدر الآن أن نطلبَ منه أن يسامح تقصـيرنا معه، أو أن يعفو عن ظلم قد يكون وقع منا!
ما لنا لا نفيق إلا في اللحظات الأخيرة! ولا نستيقظ إلا إذا صدمتنا المواقف! وآلمتنا لحظات الوداع!
لماذا تغيب أحياناً كثيرة مع طلابنا مشاعر الاحتواء والتلطف والتراحم؟
مواقف المشاعر لا تؤجل ولا تُمثَّل!
تحتاج منا فقط لقلب نابض وشعور صادق.
فيا رب اغفر لنا تقصـيرنا وظلمنا، وأعنا على تربية وتعليم طلابنا على أكمل وجه وأحسن صورة.