منال الحصيني
بحسب دائرة البروج الأثني عشر في مسرح السماء فإن يوم وشهر ميلادك يصادف البرج الذي ولدت فيه، مما يجعل لك سمات منفردة عكستها تأثيرات مواقع الكواكب والنجوم في لحظة ولادتك، وبذلك كان لزاماً أن تفهم مميزاتك وتحدياتك خلال السنة مما يعزز علاقاتك الشخصية والمهنية..
ولكن الغريب في الأمر أن معظم التنبؤات تغلب عليها العمومية إن لم تكن مطاطية الوصف، كالتنبؤ بالتوفيق خلال العام!
وعليك حينها أن تخمن: هل هو توفيق عملي أم أُسري ولعله مالي؟
لنكن واقعيين بعض الشيء فما هذا الهُراء، هل من عِلم يطرح نتائجه وتوقعاته دون أن يكون له نتائج بحوث ونظريات علمية!،
فما هي حقائق عِلم التنجيم الذي أُشتق من علم الفلك الذي يدّعم نظرياته وفق قواعد علمية طرحت فيها فرضيات ما زالت تدرّس حتى وقتنا الحاضر.
سأحاول تقريب وجهات النظر من باب عدم التعصب لرأيي عن أصحاب التكهنات والدجل التي سرقت عقول الأغلبية حتى باتت قراراتهم المصيرية وفقاً لتلك التوقعات، فالمتتبع لعلم التنجيم يجده انبثق من (اليونانيين) الذين آمنوا به وسطروا رموز الأبراج وأسمائها حسب أشكال النجوم في فلك السماء، ومازالت تُعرف حتى وقتنا الحالي.
وما أن تسلل ذلك العلم إلى (المصريين) القدامى وقدموا له من علومهم ما قدموا، ولهم في ذلك الكثير من الأساطير التي صدقوا بها.
(فالبابليون) الذين برزوا في ذلك المجال حتى قيل أنهم سبقوا(اليونانيين) في ذلك العلم المزعوم ولهم الكثير من المآثر في هذا الشأن.
و(للصينيين) القدامى و(الهنود)نصيب الأسد من هذا العلم وانتشر بعد ذلك في (أوروبا) حتى أن الكنيسة حاربته كونه مخالفا للدين.
أما (العرب) فقد تمكنوا من هذا العلم وانتعش في (العصر العباسي) وترجموا الكثير من مآثر من سبقوهم إليه حتى قيل إنهم قربوا المنجمين من بلاط الخلافة لزعمهم بتأسيس سمات خاصة للخلافة تميّز طبقة الخلافة العباسية عن سواها لتكون الخلافة (المثالية) ولكنها في الغالب تدور حول أغراض سياسية لم تكن لتكون إلا بإرادة الله لا بتكهنات المنجمين.
لعل قصة (المعتصم) حينما أراد فتح (عموريه) فاستعان بالمنجمين نصحوه بعدم خوض الحرب؛ كون النجوم وانعكاس أفلاكها على الأرض سيشهد ظهور أحد المذنبات التي لو شرع في المعركة ستكون الهزيمة المدوية، فاحتار المعتصم واستشار قادة الجيش فنصحوه بخوض الحرب وكان النصر حليفهم..
(وامعتصماه) في تلك الحرب لعلها زلزلت كيان الخليفة حينما صدحت بها المرأة المكلومة (فعقلها وتوكل) ونسف أقوال المنجمين اليهود الذين اعتنقوا الإسلام وكانوا سادة ذلك العلم عند العرب آن ذاك..
وبغض النظر عن خصوصية تلك الممارسات في ذلك الوقت وخفائها، لكنها مازالت تطفو على السطح حتى يومنا هذا بين مصدق ومؤمن بها ومكذب ومتسلِ بها كونها تحمل الصواب والخطأ؛ فالتنبؤ بالمستقبل أمر تميل إليه النفوس لتطمئن وتهدأ.
ولكن لو تعمقنا قليلاً كون الغيب سُتر عنا رحمة بنا لنفرح بما لنا ولا نحزن على ما فاتنا، ثم إن الانشغال على ما سيأتي وما سيكون أمر مُهلك للعقل ومتعب للنفس كونه لا يمت للصفات البشرية التي جبلت عليها.
ثم ماذا لو أخبرتك بأن برجك الأكثر حظاً لهذا العام أو النقيض لذلك!
حتماً سينعكس ذلك على سلوكياتك تصديقاً لما قيل لك، إذا أنت من يصنع ذلك وفق المعطيات التي وردت إليك، فما المبهر في الأمر إن كنت أنت من يصنع يومك.
ولكن كون أحدهم من (برج الثور) كِدت أن أقع في شراك أسطورة اليونانيين عن سبب تسميته بذلك..
حيث إن ملك الآلهة الإغريقيّة كان متيما بحب أميرة جميلة مما دفعه أن يتحول إلى ثور أبيض حينما كانت تقطف الأزهار في جزيرة (كريت) ولحسن حظه استطاع أن يجذبها إليه فاعتلت الأميرة ظهر الثور وهرب بها من الجزيرة.
ولكن سرعان ما ورد في ذهني كتاب ابن خلدون ((في إبطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غاياتها)).