د. إبراهيم بن جلال فضلون
عام أورثنا جراحاً شتى، وجعل منها ميراثا نجهل أحداثه القادمة على مدد البصر، حرب ضحاياها زهور من بني جنسنا وأولادنا، فاحت الأجواء بروائحهم هنا وهناك، مغلغلة بشباك تلك الضلالات اللاإنسانية، مُجردة من عدالتها البشرية، في الحروب والانتهاكات الصارخة، في عام من فوضى سياسية من الدمار لحروب غزة والسودان وميانمار وأرمينيا وأوكرانيا وانتخابات نجحت فيها ألاعيب وسحر التكنولوجيا والقوة السياسية، بعودة ترامب للبيت الأبيض.. وما سيكون لأثره على أعوامنا الأربع القادمة وليس 2025 وحده، ليحل الأثر السيئ من أسعار جنونية، فيما يلملم عام 2024 أوراقه الأخيرة استعداداً للرحيل، تاركاً خلفه إرثاً قاتم الملامح للبشرية، التي تأمل أن يكون (خلفهُ) أفضل حالا، ولعلهُ سيكون محظوظاً عنهُ للبشر في أنحاء الكرة الأرضية.
لقد غيرتنا: وبدلت أوجه أحزاب حاكمة أسقط أبرز ما فيهم في سوريا وهروب الأسد، ثم موجات من الانتخابات في نحو 80 دولة تمثل أربعة مليارات شخص، عاقب الناخبون في دولهم الأحزاب الحاكمة، حيث خسرت أحزاب بارزة في دول مثل الهند، اليابان، وجنوب أفريقيا مقاعدها واضطرت إلى تشكيل حكومات ائتلافية، وثورة شعب كوريا الجنوبية على حاكمها.
لقد قتلتنا يا 2024 في إبادة غزة ونحن سكون ولا حراك، لكنك أيقظت المشاعر المعادية للسلطات الغربية، وشعوبها التي هاجت ولا زالت تشتعل دعما لبلدة صغيرة ساكنوها مليونان فقط، إنه إيمان بدأ بالقضية منتصراً بزيادة المؤمنين بقضيتهم، ليركع له أكبر طاغية كان من كان.. وضد دولة بل دول لا تحترم الإنسانية ولا العدالة الحقيقية، لتثبت أنها دولة اللا سلام.. وأحرقت قلوب طهران بوصفها «الخاسر الأكبر»، في سوريا وخروجها المذل منها للآن، وقطع دابرها من المنطقة بعد ضرب حزب الله في لبنان ومحو الحرس الثوري من سوريا والعراق، ليعود القط لمخبأه لعله يجد حلاً. فمتى تنتهي تلك الحرب؟!، ومن يُوقف سيناريو الحروب العبثية والمفتعلة التي نشهدها اليوم في الشرق الأوسط؟!. فالسلطات الغربية الإسرائيلية تكسب وقتاً لتأخير عملية تفكّك مجتمعاتها من خلال إلهاء شعوبها الذي استيقظ وأفاق.. وما السودان عن غزة ببعيدة فالمرارة أفدح مع معاناة إنسانية واسعة، تضمنت وفاة آلاف الأشخاص ونزوح الملايين، بينما فشلت الجهود الدولية في التوصل لحل، فقد يكون لانهيار السودان تداعياته على مناطق الساحل، والقرن الأفريقي والبحر الأحمر كسيطرة التيغراي على أكبر مناطق الأمهرة والدولة الأثيوبية فنافذة الحل على وشك أن تُغلق.
لقد أغضبتنا يا 2024 بحصار اقتصادي لعين من ارتفاع الفائدة والتضخم في معظم الاقتصادات في أنحاء العالم، حتى تشاءم الكثيرين من وجود الخبز بل الدقيق والبيض وصولاً إلى الطاقة وأسعارها الفلكية لاسيما النفط ومشتقاته والكهرباء و.... إلخ. وتسببت أيها العام في تغيير أوجه سلطات دول كبري نشأت بسبب التضخم، إلى تنصيب حكومات جديدة في بريطانيا وبوتسوانا والبرتغال وبنما..
لقد أحرقتنا يا 2024، باستمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية كأكثر الأعوام حرارة، مع تأثيرات كارثية من الجفاف والكوارث الطبيعية، بينما بقي التقدم في مواجهة التغير المناخي محدودا رغم مؤتمرات كوب التي انتهت في أذربيجان، بينما تعمل دولنا بالشرق الأوسط لاسيما السعودية على جعل المنطقة والعالم أجل عبر مبادرتها السعودية الخضراء.
وها أنت تتركنا وقد ألهبت حماستنا بالتطورات التكنولوجية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، في تحسين قدرات توليد الصور والنصوص والفيديوهات، ومعلوماته المغلوطة رغم ايجابياته الكبرى للبشرية علمياً وغيره، والتي ترك الكثيرون وظائفهم للجلوس على دكة البطالة بسببه.. بل وجعلتنا لا نعرف الصواب من الخطأ في حياتنا اليومية، نصفق لها جميعاً دون أن نعي خطورتها.. مثلها مثل السباق النووي الذي شهد إنجازات فضائية كبيرة كهبوط اليابان على القمر واكتشافات محتملة للحياة على المريخ، وتهديد أميركا وإسرائيل وإيران وروسيا باستخدامه، لكن المنافسة الجيوسياسية زادت مع اتهام روسيا بوضع أسلحة نووية في الفضاء وزيادة الصين لأقمارها العسكرية. وتحكمات ايلون ماسك القادمة بحلول 20 مليون ألي بدلاً من البشر..
في مجملها، مثّلت أحداث 2024 لحظة فارقة تاركاً لعام 2025 تشكيل المشهد الدولي والإقليمي، لكنه ترك للعالم رغم أحداث غزة أن الشرق الأوسط، بكل ما يحمله من تناقضات وتوازنات هشة، ما زال ساحة إقليمية لها وزنها وقوتها لاسيما بوجود دول فكرية إدارية عقلانية السلطات ورؤيتها الغالبة كالسعودية العاتية، والفرعونية المصرية، والدول العربية التي هي على قلب رجل واحد، في مواجهة التحولات الكبرى، رغم حاجتها إعادة تقييم تحالفاتها وأولوياتها في ظل بيئة سياسية واقتصادية واضحة شفافة تحاول التنفس بعيداً عن هيمنة الدولار.