د.زيد محمد الرماني
إن كتابة مقدمة في علم الاقتصاد مهمة سهلة وصعبة معا. إنها سهلة، لأننا جميعا، بطريقة أو بأخرى ملمون بعلم الاقتصاد، فمثلا ليس من الضروري أن يشرح لنا أحد ما هي الأسعار؟ لأننا نتعامل معها يومياً.
قد يشرح لنا الخبراء السبب في دفع المصارف فائدة على المدخرات، أو السبب في أن الطريقة التي نسلكها في قياس الثروة تفتقد الكثير من العناصر التي تبنى عليها عملية القياس، بيد أنه لا يوجد بين هذين السببين ما يعد فكرة غربية عنا.
وبرغم أهمية علم الاقتصاد لنا، فلدينا أيضا آراء فيما يجب عمله، لوضع الأمور في نصابها، عندما نشعر بأنها خاطئة، ونحن نتشبث بقوة بآرائنا،لأن أخلاقنا تدفع سياساتنا، وسياساتنا توجه اقتصاداتنا.
وعندما نفكر بمنهج علم الاقتصاد فإننا لا نتساهل مع الأمور المشكوك فيها، وهكذا فإن نفس الأسباب التي تدفعنا إلى دراسة علم الاقتصاد تقوم مقام حجر عثرة أمامنا،حتى عندما نحاول كشف النقاب عن الطريق التي يستعملها عالم الاقتصاد لصوغ ذاته.
بيد أنه لما كان علم الاقتصاد يتناول هذه الطرق على مقياس واسع،فعلينا ألا نصاب بالدهشة من أن معظم الاختلافات بين الناس حول القضايا الاقتصادية ناتجة في النهاية من قراءاتهم للحقائق لا القيم التي يؤمنون بها، وهذا هو السبب في أن كتابة مقدمة في علم الاقتصاد أمر صعب.
يقول بارثا داسكوبتا أستاذ علم الاقتصاد في جامعة كامبريدج البريطانية في كتابه (علم الاقتصاد مقدمة مختصرة جدا): عندما بدأت برسم الخطط لتأليف هذا الكتاب،لم يغب عن بالي أن أقدم للقراء نظرة شاملة إلى علم الاقتصاد،كما يقدم في المجلات والكتب الاقتصادية.
بيد أنه برغم القوة التحليلية التي تطغى عليه طيلة عقود، فلم أكن مرتاحا في اختيار الموضوعات التي تتناولها الكتب المقررة، ولا في اختيار الموضوعات التي يجري التركيز عليها في كبريات المجلات الاقتصادية.
ويضيف بارثا قائلا: إضافة إلى ذلك، فقد طلبت مني مطبعة أكسفورد كتابة مقدمة مختصرة جدا في علم الاقتصاد. علما بأن ثمة كتبا جامعية في علم الاقتصاد عدد صفحاتها تتجاوز ألف صفحة!! لذا شعرت بالصدمة من أنه يتعين علي التخلي عن خطتي الأصلية، وأقدم وصفا للمحاكمة التي نجريها، نحن الاقتصاديين، بغية فهم العالم الاجتماعي المحيط بنا، ثم نشر هذه المحاكمة، لتعم بعض أكثر المشكلات الملحة التي تواجهها البشرية في هذه الأيام.
يقول بارثا: ولم أدرك إلا منذ عهد قريب أنه لا يمكنني عمل ذلك.
إن الأفكار التي أقدمها في هذا الكتاب، سبق أن أطرت وبحثت في كتابي (تحقيق في الرفاهية والتوزيع)، وخلال كتابتي لهذا الكتاب، أدركت أن علم الاقتصاد كان يدفع أخلاقياتي بقوة متزايدة، وأن أخلاقياتي بدورها وجهت سياستي. ولما كانت هذه سلسلة سببية غير عادية، فقد كان الكتاب السابق أكثر تقنية وأثقل عيارا بقدر كبير.
هذا وإن التقدمات النظرية والتجريبية التي حدثت في علم الاقتصاد منذ نشر الكتاب قادتني إلى التمسك بوجهة نظري التي أوردتها هناك حتى بقوة أشد. فلقد فهمت أشياء أفضل كثيرا مما كنت أفهمها آنذاك، ومن ضمنها: أسباب عدم فهمي لكثير من الأشياء. وكتابي هذا ليس سوى امتداد لكتابي الأول (تحقيق في الرفاهية والتوزيع).