خالد بن حمد المالك
ممارسات وسلوكيات الغرب في التعامل الانتقائي مع حقوق الإنسان، والعدالة، والحرية، والديمقراطية، والموقف من محكمة العدل الدولية، وشراكته في العدوان على الدول والشعوب، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، يجب أن يُنظر إلى ديمقراطيتهم، والترويج لها على أنها أصبحت في مهب الريح، فدعوتهم لها كاذبة، وانتقائية، وممر لممارسة التدخل في شؤون الدول، وإلهاب الشعوب لخلق فوضى في دولهم لحرمانها من الأمن والاستقرار.
* *
كشفت حالات كثيرة أن الغرب يروّج لثقافة الديمقراطية بمواصفاته، دون أن يكون لها ذلك القبول لدى شعوب وأجناس تختلف عن طبيعة الشعوب في الدول الغربية، أحياناً تمرر تحت غطاء حسن ولافت، ولكنها في العمق تآمر واضح على الشعوب، وجرّها إلى ما يقوِّض مصالحها، ضمن سياسة المستعمر التي يُغلفها عادة بمعسول الكلام، والوعود البرَّاقة الكاذبة، ما جعل هذه الديمقراطية المزيَّفة في حالة انحسار، ورفض لقبولها.
* *
فقد كشف الغرب عن أكذوبة ديمقراطيته، بموقفه المناوئ لقرار المحكمة الدولية بإدانة رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو بأنه مارس حرب إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة ومن ضمنها تجويعهم حتى الموت، وأنه يتعيَّن على الدول إلقاء القبض عليه، وتقديمه للعدالة، وهو ما رفضته أمريكا وبعض الدول الأوروبية، فأين موقع ومكانة الديمقراطية إذا كان هذا هو موقف الغرب.
* *
والغرب لا يكتفي بتمرير ديمقراطيته على أنها المشروع الصحيح لتحقيق العدالة، وحماية حقوق الإنسان، وإنما يفرضها على الدول والشعوب بالقوة في بعض الأحيان ومن خلال التدخل في شؤونها الداخلية أحياناً أخرى، متى ما سمحت لها فرصة للتدخل في هذه الدولة أو تلك، وهي أجندة لم تغفل عنها الكثير من الدول، ما جعلها تحول دون تسرب هذه الثقافة، بل وحماية شعوبها من تلبسها بهم.
* *
حتى لدى المروِّجين للديمقراطية داخل الدول مصدر هذه الثقافة، لا يوجد تطبيق صحيح لها، فهي تحضر وتغيب لأسباب لا علاقة لها بالتطبيق الشامل والعادل، بصرف النظر عن أنها مطلب للشعوب، أو أنها جزء من خلل في الحرية، مع وجود مسارات لها مخلة بالقيم والأخلاق وعدالة التعامل مع الجميع بمساواة وعدل.
* *
لحسن الحظ، أن ديمقراطيتهم لم تجذبنا، فلدينا ثقافتنا، وديمقراطيتنا الخاصة التي تنبع من قيمنا وتربيتنا وأخلاقنا وديننا وقرآننا الكريم، بما لا حاجة لاستيراد ديمقراطية يحوم الشك حول مراميها وأهدافها، وما يمكن أن تؤثِّر في الإنسان حين يأخذ الطريق الخطأ، الذي يمسه بأضرار هو في غنى عنها.
* *
وقد أثبتت الكثير من تجارب الغرب في ممارسة الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية أنها هشة، وأنها محل شك، وأن موجات من الانكسارات تعرَّضت لها الدول مصدر هذه الثقافة، والجميع على يقين بأن عمرها قصير ولن يطول، وتأثيرها محدود، ما لم يتم التخلّص مما تخفيه من أهداف مشبوهة.
* *
نحن مع الحرية بقناعاتنا، ومع حقوق الإنسان بمفهومنا، ومع الديمقراطية بما يستجيب لطلباتنا، ويلبي طموحاتنا، ولكننا أبداً لن تخدعنا ديمقراطيتهم، وما يتحدثون به من حقوق الإنسان وحرية الشعوب، بعد أن كشفوا عن عوار مواقفهم متى كان تطبيقها بغير الوجهة التي يتحدثون عنها، والدليل الدامغ موقفهم من المحكمة الجنائية الدولية، وحمايتهم لمجرم الحرب رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو أن يُقتاد إلى العدالة.