د. جاسر الحربش
كأنما هو في حل ومرتحل
مكلّف بفضاء الله يذرعه
ذلك الطفل من أحفاد العقيلات تجار الحل والترحال بين الجزيرة العربية والشام ومصر الذي ولد بدير الزور بالشام وتعلَّم في مصر ثم عاد إلى أرض أهله وأجداده المملكة العربية السعودية، أصبح رمزاً كبيراً في الدبلوماسية السعودية المشهود لها بالكرم والصبر والحزم. ترحلاته الدبلوماسية في مشارق الأرض ومغاربها التي شرف وكلّف بها تتابعاً من قبل سبعة ملوك سعوديين قد تذكّرنا ببيت شعر لابن زريق البغدادي في قصيدته الهائية الخالدة: كأنما هو في حل ومرتحل.. مكلّف بفضاء الله يذرعه، مع التذكير بفارق المقاصد والعوائد بين صاحب السيرة هنا وذلك الشاعر البغدادي.
أحدثكم هنا عن سيرة أبي عماد الشيخ جميل الحجيلان مسترشداً بمعرفتي له ومعتزاً بصداقته الشخصية وبسفره الضخم الفخم المعنون: مسيرة في عهد سبعة ملوك.
من مكان الولادة في دير الزور بأقاصي الشام إلى القاهرة للدراسة الثانوية والجامعية ثم إلى جدة والرياض فإلى موظف دبلوماسي مساعد في السفارة السعودية في إيران ثم باكستان، وبعد ركون قصير تستأنف المسيرة الأكبر سفيراً وعميد سفراء في الكويت وألمانيا وفرنسا، أو وزيراً في الإعلام والصحة، ليكون مسك الختام للسيرة العطرة تعيينه في منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.
شرف التكليف من قبل سبعة ملوك خير شاهد على شمولية الرؤية ونفاذ البصيرة عند الملك المؤسس وأبنائه من بعده في اختيار المسؤول المناسب للمكان المناسب، ودليل على كفاءة وجدارة الدبلوماسي المتألق والإداري الناجح جميل الحجيلان.
وبعد، هل المهم كهدف لهذه المقالة القصيرة التعرّف على صاحب السيرة وكفاحه المتوج بالنجاح في كل مهمة تسند إليه أم على محتوى مذكراته في سفره الضخم في مجلدين بكثافة وسعة ألف وخمس مائة صفحة ورقية؟ الأهم، وأقولها صادقاً غير مجامل هو المحتوى المعرفي والمعلوماتي الثمين في المذكرات، ولذلك أكرر النصح بقراءتها مرتين وثلاثاً، وأعلل لماذا:
* لأنها تقدم تأريخاً أميناً متسلسلاً لمسيرة المملكة العربية السعودية الظافرة الآمنة المزدهرة منذ أسسها ووحد مكوناتها الرائد الكبير الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء جزاهم الله جميعاً خير ما يجزي به المحسنين.
* ولأنها رصد أمين لأهم الأحداث التاريخية المحلية والإقليمية والدولية في فترات زمنية مكتظة بالتحولات والمعاهدات والصداقات والعداوات والصراعات والحروب وتبدلات الأماكن والأزمنة والشخصيات العالمية.
* ولأنها كتبت بأسلوب أنيق رشيق سهل الفهم عميق العبارة صادق الرصد والنقل ودعمت بالوثائق المصورة والمطبوعة.
* ولأنها في نظري المتواضع أفضل ما يحسن أن يطلع عليه الشاب المهتم الذي لم يعاصر البدايات والأواسط من تطورات وأحداث وطنه المملكة العربية السعودية وتأثرها وتأثيرها بالعالم وفي العالم القريب والبعيد.
وبالأساس تكمن أهمية كتابة المذكرات ليس التعريف بسيرة الشخص وإنجازاته الوطنية على كثرتها وجودتها، وإنما بما ينقله بأمانة للأجيال من بعده عن رحلة سفينة وطنه ودولته وحكومته وأهله في الأمواج المتلاطمة دائماً المتلاحمة أحياناً، ليبقى الوطن في الذاكرة جيلاً بعد جيل.
وكأني بالشيخ جميل الحجيلان بعد كتابة آخر سطر في مذكراته قد قال بنفسه:
الحمد لله أبقاني إلى زمن.. به الجزيرة أحيت مجد ماضيها، أطال الله في عمره ومتعه بمزيد من الصحة والعافية.
** **
- الرياض