منصور ماجد الذيابي
كشفت وسائل إعلام ومقاطع فيديو في منصات وسائل التواصل عن مشاهد مؤلمة عكست للعالم مدى العذاب وحجم المعاناة وقسوة المعاملة التي تتألم منها شريحة كبيرة من الناس تحت حكم أنظمة سياسية مستبدة بقيادة طغاة مجرمين في بعض من دول العالم؛ حيث ويلات السجون والعذاب الشديد في مراكز الاعتقال التي تفتقر لأبسط مبادئ الرعاية الإنسانية للسجناء والمعتقلين، مثلما شاهد العالم مؤخرا من قبور مظلمة وشبكات معقدة من السراديب والأنفاق العميقة تحت الأرض في سجن صيدنايا سيئ السمعة وشديد التعذيب على أيدي السجانين والجلادين والجزارين والسفاحين، إذ يمكن مشاهدة الجماجم والهياكل العظمية والدموع السائلة والدماء النازفة في أعماق الأرض حيث لا يسمح حتى بدخول بصيص النور أو نسمة الهواء أو لقمة الطعام ورشفة المياه النقية ناهيك عن غياب الخدمات الإسعافية لمن شارفوا على الموت في غياهب السجون الصيدنائية البغيضة.
وهنا وكما ذكرت في مقال سابق بعنوان النازحون وموقف المجتمع الدولي، فقد يتساءل البشر عن غياب ما يسمى بالضمير الدولي وعن دور المنظمات الحقوقية الأممية إزاء ما جرى ويجري في هكذا سجون ومقابر جماعية، وإزاء سياسات التهجير والتجويع والتشريد رغم أن بعض الدول التي تتواجد فيها مثل هذه السجون والأنفاق ومصانع المخدرات، وتطبق فيها مثل هذه السياسات قد تكون دولا اعضاء في منظمات حقوقية وأممية، وحتى إن لم تكن كذلك، فكيف يتهاون المجتمع الدولي أو يغض الطرف عما يجري من مآسي وعذابات وانتهاكات لحقوق الانسان المعتقل رغم مناشدات أحرار العالم بضرورة احترام الحقوق الانسانية في المقابر والملاجئ والسجون؟!
و كنت ذكرت في مقالات كثيرة عن الحروب والنزوح واللجوء والقمع والتعذيب أن البشر لا يمكنهم العيش بسلام على كوكب الأرض ما لم تستجيب المنظمات الدولية لصرخات المنكوبين وصيحات الثكالى والمعذبين بسبب سياسات بعض الأنظمة القمعية الديكتاتورية التي لا يهمها سوى بقاء أنظمتها وأحزابها ووكلائها على أشلاء البشر وأنقاض المباني والمساجد والمدارس والمعابد والملاجئ، إذ من الصعب السكوت عن تلك الانتهاكات والتحالفات السياسية والعسكرية ضد البشرية التي ضاقت ذرعا بمستوى المعيشة والظلم والجوع والفقر والحرمان حتى من حقوقها المشروعة في ممارسة عباداتها وبناء مساجدها ومدارسها ومنازلها.
والغريب أن بعضا من قادة هذه الأنظمة القمعية يجدون في دول كبرى من يؤويهم ويحميهم ويستقبلهم بعد وقبل سقوط انظمتهم وتيسير هروبهم مقابل الاستفادة من المليارات المهربة، وأيضا مقابل وجود قواعدهم العسكرية على الأرض التي ارتكب فيها الطغاة أبشع الجرائم الإنسانية في تاريخ البشرية، كما أشرت في مقال سابق بعنوان «وصلت الى ليبيا بعد خراب سوريا».
في تقديري كمراقب للشأن الدولي والإقليمي أنه لا ينبغي لتلك الرموز القمعية ممن ارتكبوا جرائم حرب وابادة جماعية ضد المدنيين وأصحاب الأرض الأصليين، وممن اتبعوا سياسات واجراءات قمعية وتعسفية ضد شعوبهم ولاذوا بالفرار، أن تفتح لهم دول اخرى مجالها الجوي وتأويهم في الفنادق والقصور أو تساندهم وتدعمهم بالمال والسلاح في تحد صارخ لمبادئ القانون الدولي ولإرادة المجتمع الدولي وقرارات المحكمة الجنائية الدولية إذ لن يتمكن العالم قاطبة من العيش بسلام في ظل الانتهاكات وفي ظل الاحتلال والأطماع التوسعية لبعض الدول الإقليمية في الشرق الأوسط والتواجد العسكري للدول الكبرى في المنطقة بذريعة محاربة الإرهاب، كما أوضحت سابقا في مقال بعنوان: «معركة الموصل وشعار الحرب على الإرهاب» ذلك أن دولا كبرى في العالم تبحث عن مناطق التوتر في الشرق الأوسط، بل وتستثمر قدراتها العسكرية في مستنقعات التوتر والصراع وتساهم حتى في اشعال الحرائق لكي تنعش اقتصاداتها وتبسط نفوذها وهيمنتها، كما اوضحت في مقالات سابقة بعنوان «الاستثمار الأجنبي في مناطق التوتر»، و»ماذا بعد إشعال الحرائق في الشرق الأوسط»؟!