أ.د.عثمان بن صالح العامر
اليوم - الثلاثاء، الثلاثون من الشهر السادس (شهر جمادى الآخرة) لعام ألف وأربعمائة وستة وأربعين للهجرة 30/ 6/ 1446 هـ، حسب تقويم أم القرى، الموافق 31/ 12/ 2025 م -أكملت في هذا التاريخ- بحمد الله ومنِّه وفضله وكرمه - الستين من عمري، ما يقارب الأربعين عاماً منها قضيتها في وسط المجتمع الأكاديمي، وهذه من أجل نعم الله علي، فللبقاء في محراب العلم طوال هذه الأعوام لذة ومتعة لا يعرفها إلا من ذاق حلاوتها، عاش بين الكتب، وفي قاعات الدرس، وعلى منصات الإلقاء، ومنتديات الفكر، ومؤتمرات العلم، وحلقات البحث، وجلسات العصف، ذات الصبغة النخبوية العلمية الرائعة.
اليوم فقط شعرت أنني كبرت وصرت مصنفاً رسمياً في فئة (كبار السن)، إذ تعرف الدوائر الرسمية والمراكز البحثية هذا المصطلح المركب من منظور ديموغرافي بأنه: (من بلغ الستين من عمره).
يا الله ما أسرع أعوام العمر، ما أعجل أيام الدنيا، وهذه في حد ذاتها نعمة عظيمة لم يذق طعمها لا السجين المقيد، ولا المريض المقعد، ولا المهجر الذي ليس له وطن يفتخر ويفاخر به، ولا الخائف الهارب، ولا الفقير المحتاج، ولا المحروم العاجز، ولا من ليس له ولد أو والد، ولا الذي لا يُعرفُ له صديق أو زميل أو قريب، فلك يارب الحمد كله والشكر أجمعه والثناء الذي لا يوفي نعمك علي. (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا).
كثيرة تلك الأفكار التي تقفز لذاكرتي هذه الساعة، تطالبني أدون طرفاً منها في هذا المقال التاريخي، كيف لا وهو يؤرخ لحدث مفصلي بين مرحلتين مهمتين من عمري، فبعد أن كنت أستاذاً أكاديمياً، من غد الأربعاء 1/ 1/ 2025م سأنتظم في صفوف (المتقاعدين).
هذا هو الربع الأخير من عمري، ولا أعلم متى سيكون الرحيل عن هذه الدار، ولكنني على ثقة بأن ما يكتبه لي ربي هو الخير المطلق، (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). جزماً لن أنقطع -بإذن الله- عن عالمي المحبوب (الكتاب) الذي كنت وما زلت أقضي معه ساعات طويلة من يومي، وفي نفس الوقت سوف أعود لعائلتي التي افتقدتني أعواماً عديدة لأعوضها ما فات -بإذن الله-، سوف أجعل للتطوع مساحة واسعة في برنامجي اليومي إذا يسر الله لي ذلك، سأحرص على أن أعيش لنفسي، وأجدد علاقتي مع ربي لأشكره على ما أسدى إلي من نعم تعد ولا تحصى، (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، هذا ما أنوى فعله، والتوفيق والعون من الله وإلى لقاء والسلام.