د. سامي بن عبدالله الدبيخي
يشهد مناخ الاستثمار في مكة المكرمة عموماً والاستثمار في القطاع العقاري تحديداً نمواً مطرداً وسريعاً حيث تشير الأرقام لنمو الصفقات العقارية من الربع الثاني لسنة 2023 حتى ذات الربع من سنة 2024 بأكثر من الضعفين(214.52 %). فقد قفزت قيمة الصفقات العقارية في قطاع الإسكان من 2.9 إلى 6.4 مليار ريال، في حين كان نمو القطاع التجاري لافتاً بزيادة في قيمة صفقاته من 661 مليون ريال إلى 4.8 مليار ريال خلال نفس الفترة.
هذه الأرقام مؤشر قوي على المناخ الاستثماري الواعد في مكة المكرمة. ونتيجة لذلك، فقد شهدت مؤشرات الإنفاق زيادات معتبرة بنسب تتراوح من 3 % في قطاعي الصحة والمواصلات إلى 10.5 % في قطاع المطاعم، وهو ما اضطر القطاع الخاص لزيادة وظائفه المستحدثة من 7395 إلى 14353 أي بزيادة 194.09 % خلال ذات الفترة الممتدة من الربع الثاني إلى الربع الثاني ما بين سنتي 2023 و2024.
يجمع أهل الاختصاص أن الاستهلاك الداخلي ممثلاً بالسكان المقيمين والزوار هو المحرك الأساسي للاقتصاد والاستثمار في أي مدينة. ومكة المكرمة ليست استثناء لهذه القاعدة، فهي تضم كتلة بشرية تفوق 2.43 مليون من السكان المقيمين وحوالي 11.5 من القادمين إليها خلال سنة 2024، ويُتوقع أن يزداد عددهم حسب مستهدفات الرؤية إلى 30 مليونا بحلول 2030. وللإشارة فإن مكة المكرمة تحتل حالياً الوجهة الأولى عربياً والخامسة عالمياً من حيث عدد الزوار، وهذا لوحده مؤشر قوي على المناخ الاستثماري الواعد للمدينة. هذه الكتلة البشرية الضخمة من شأنها أن تعطي دفعاً هائلاً للعجلة الاقتصادية والحركة الاستثمارية لأي مدينة مشكلة فرصاً واعدة تنتظر من يحسن اقتناصها.
بالإضافة لقوة الاستهلاك الداخلي لهذه الكتلة البشرية فإن هناك العديد من المخططات التنموية ومشاريع البنية التحتية التي تم إنجازها أو هي تحت الإنجاز والتي من شأنها أن تضيف زخماً قوياً للحركة الاستثمارية في المدينة، وهناك أيضاً إستراتيجية المواقع التاريخية والإثرائية (98 موقعاً) والتي من شأنها أن تزيد من الاستثمار السياحي في المدينة. وفوق كل هذا هناك مشروع النقل العام بمنظومته المتكاملة لتسهيل التنقل في مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. فقد تزايد مرتادو مشروع حافلات مكة بحوالي 58 % محققاً إيرادات فاقت 280 % خلال سنة 2024. جدير بالذكر أن مشاريع البنية التحتية للنقل كالطرق الدائرية قد اكتملت مما ساهم في تحسين دقة المواعيد لنسبة 89 %.
كما يجري تطوير مواقع العشوائيات باعتبارها تمثل خزانا ضخماً للفرص الاستثمارية من خلال ما ستوفره من عقارات لهذا الغرض جاهزة للتطوير الاستثماري. هذه المساحات التطويرية المتاحة من شأنها أن تفتح آفاقاً واعدة أمام العديد من الاستثمارات المحلية والأجنبية في مختلف القطاعات.
يمثل القطاع السكني فرصاً استثمارية جيدة فهناك فجوة في السوق السكني بما يربو عن 633 ألف وحدة حسب تقديرات 2023. وهذه الفجوة من شأنها أن تتسع أكثر بسبب التركيبة الديموغرافية للسكان الذين أكثر من نصفهم (57 %) تقل أعمارهم عن 35 سنة مما يشكل طلباً متزايداً على الشقق السكنية مستقبلاً. هذا يعني أن هناك حاجة ملحة لتقليص هذه الفجوة السكنية.
يكفي أن نشير إلى أن سعر البيع للمتر السكني في السوق حاليا هو 3652 ريال للمتر المربع ويزداد هذا السعر كلما اقتربنا من منطقة الحرم لتتراوح من 20 ألفا إلى 120 ألفا للمتر المربع.
يشكل قطاع الحج والعمرة العمود الفقري لاقتصاد مكة المكرمة، ويعتبر نشاطا يؤثر على قطاعات مختلفة منها الضيافة / النقل.. إلخ.
وهو ما يعني أن قطاع الضيافة سيعرف نمواً معتبراً خاصة مع تسهيلات تأشيرات العمرة ومستهدفات الرؤية، وهو ما كان له الأثر الواضح في ارتفاع متوسط السعر اليومي بنسبة 41 % ليبلغ 574 ريالاً سعودياً عام 2023. فإذا كانت التقديرات الحالية لفجوة السوق تشير لحوالي 46,000 وحدة فإنه يُتوقع أن تتسع هذه الفجوة بحلول 2040 لتبلغ 346,000 وحدة.
ولا ينبغي أن نغفل ما تمثله قطاعات التجزئة والمكاتب والصناعة والخدمات الاستهلاكية من فرص استثمارية إضافية، ولتسهيل إجراءات المعاملات الإدارية والتواصل والحصول على المعلومات تم تطوير خدمات التحول الرقمي الذي ساهم في رفع نسبة العمليات المؤتمتة حيث بلغ الأداء الفعلي للربع الرابع 80 % من خلال إنشاء مختلف المنصات كمنصة تسجيل الملكيات العقارية، وأتمتة طلبات الشراء (Purchase Requisition) والمنصة الجيومكانية.
هذا مجرد عرض موجز لما تمثله العاصمة المقدسة من فرص استثمارية جديرة بالاهتمام.