حسن اليمني
ملامح وإشارات قوية لمستقبل عربي وإسلامي تبدو ظاهرة بوضوح في الأفق القريب بين ركام ثقيل من المآسي والكوارث المتلاحقة والمتزاحمة حتى كاد عالمنا العربي والإسلامي يبدو وكأنه محور ومركز الحروب في العالم.
حتى الحرب الروسية الأوكرانية بما فيها من تماس وتلامس بين قوى عظمى وبرغم قوة مؤثراتها إلا أنها أمام ما يجري في منطقتنا العربية متوارية في المرتبة الثانية أو الثالثة حتى، منذ أحداث تونس نهاية العام 2010م والمنطقة العربية تشتعل هنا وهناك توالي وتلاحق حتى أصبحت سبع دول عربية تقريبا تعيش فراغ وفوضى بنسب مختلفة وأضف لذلك مأساة فلسطين المستمرة منذ الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك ظهرت ملامح وإشارات قوية تنبئ بفجر جديد رغم وصول حال اليأس في الأمة العربية مرحلة الصقيع الموجع.
أربعة عشر عاما تولّد فيها مفاجآت لم تكن تخطر على بال أحد؛ ثورات ما عرف بالربيع العربي ثم ثورات مضادة اجهضت الأولى وأدخلت دولا عربية في فوضى، وصعود بغيض للهمجية الصهيونية متوازية مع أيادي سلمية مدّت للسلام والتطبيع، خرجت المقاومة الإسلامية بعملية السابع من أكتوبر للعام 2023م بعمل أشبه بالمستحيل وما كاد ينتهي العام الحالي دون أن تظهر الثورة السورية بمفاجأة أخرى قضت على ستة عقود من التاريخ السلطوي البعثي في سوريا خلال أيام معدودات.
القضية ليست في مع أو ضد وإنما رصد لأحداث غير عادية أو متوقعة بل إبداعية ومبتكرة، وكأنها خرجت من العدم فشكلت صدمة عالمية مؤثرة في رسم خرائط الأحداث واحتمالاتها لتعطي مسارات أخرى جديدة في نوعيتها وسياقها، وهي لا تقتصر فقط على التغيّر الخشن، ولكن أيضا تمتد على المساحة الناعمة في التغيّر الإيجابي في دول أخرى مثل ما نشهده في المملكة العربية السعودية من قفزة هائلة في عمق النهوض والتحول والخروج من التريّث والتردد في قوالب الانتظار والتفكير إلى الرؤية والتخطيط والتنفيذ بشجاعة شكّلت هي الأخرى علامة فارقة في المنطقة العربية تسابقت كثير من الدول العربية لملاحقتها وتتبع خطاها لتأخذ الوطن العربي في الاتجاه الصحيح، هذه وتلك مجتمعة حدثت متلاحقة في الأربعة عشر الأخيرة لتظهر في الأفق رسم وصورة مستقبل محتمل للعالم العربي.
بعد أقل من شهر سيكون السيد رونالد ترامب في البيت الأبيض رئيس للولايات المتحدة الأمريكية وتأمل روسيا أن تجد معه نهاية للحرب الروسية الأوكرانية كما تأمل الصين تقديم التنافس الاقتصادي على العسكري، أما الوطن العربي فإنه يتقدم بوجه جديد ومختلف في طبيعة الأحداث والقضايا خصوصا إذا تم الاتفاق بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل للخروج من حالة التدمير وحرب الإبادة للبحث الجدي عن حلول مبتكرة للقضية الفلسطينية تتلاءم وحال التغير في المنطقة وتوقها للانتقال إلى صورة أخرى مختلفة خارج غلاف الحروب والفوضى إلى مساحة أوسع من النهوض والتقدم الحضري.
إنه وبرغم ما شهدناه من مآس قاسية في فلسطين وفوضى وتشتت في أكثر من وطن عربي فقد شهدنا أيضا نهوضا في الرسم والتخطيط والتنفيذ ورافق ذلك توافق وتقارب غير مسبوق في دول الإقليم بما في ذلك تآكل الأذرع المؤذية وانحسار أثرها وتلاشيه وبما يخلق في مجموعة أرضية انطلاق مبنية على أسس وقواعد متينة حسمت حالة الاختلاف والمراوغة السياسية لتصبح بفعل ما تتالى من أحداث وخاصة في أحداث السابع من أكتوبر وأحداث إسقاط حكم البعث في دمشق وتنظيف سوريا من ميليشيات القتل والإفساد بما شكل بمجموعة تصفية رواسب الاختلاف والتنافس الأناني البغيض ليهيئ الجميع أو حتى يلزمه بالخيار الوحيد أو الجانب الإيجابي لبناء المستقبل بعدما تراكمت المفاجآت لتسد فوهة المسار السلبي وتجعل نقاط الاتفاق والالتقاء بين المتناقضات هو الخيار الأقرب والأنسب، بل والفرصة الأخيرة للمترددين أو العابثين بالتناقضات لديمومة المشاكل والقضايا في المنطقة بما في ذلك الكيان المحتل الذي ربما - وأتوقع ذلك - إن يبدأ بمحاربة بعضه بعضا في داخله حين لا يجد في المنطقة بقايا ذرائع يستثمرها في ممارسة طبيعته المهووسة بالحروب والتدمير.
وربما يبقى السؤال إن كان هناك مفاجآت قادمة تدعم وتسند ما تقدم لتؤكد حتمية انتقال المنطقة من حالات التشرذم والتخلف والحروب والمؤامرات إلى التنافس المدني والحضري اقتصاد وإنتاج وترقية وتطوير وتقصر زمن مرحلة الانتقال وتسرعه. الأرجح أن المصلحة الأمريكية تقتضي بناء سد منيع بين الشرق والغرب ولعل تحقيق الأمن والسلام في المنطقة ركيزة أولى مهمة لتحقيق ذلك وبما يعني أن أي حدث جديد لن يكون إلا لصالح المنطقة العربية والإقليمية لكن لابد من القول أن ما يتراءى أو يظهر في الأفق حسب مجريات الأحداث ومنطقها ليس بالضرورة حقيقي ولا بريء فقد تكون الحقيقة مختلفة تماما أو في جانب معاكس، خصوصا وان ما فوق ما يجري صراع دولي أوسع واعم بين قوى عالمية ترسم معالم نظام عالمي لا شك انه يستثمر كل حدث لمصالحه غير أن ما يهم ذكره هو في التحول من رد الفعل وتلقي الصدمات مرة بعد أخرى إلى الفعل وخلق الصدمات لتحوير مسار الأحداث واتجاهاتها وهذا يعطي مبشرات تخلق مسوغات ببناء الأمل والحلم بمستقبل أفضل.