عبدالله صالح المحمود
في عصر تتحكم فيه وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بتشكيل وعي الجماهير، أصبح الحديث عن النجومية والشهرة قضية تُثير الكثير من التساؤلات.
في الوقت الذي نتباهى فيه بتصدر بعض الشخصيات المشهد العام، نجد أن هناك مواهب حقيقية وإبداعات تستحق الدعم والتقدير، لكنها تظل حبيسة الظل دون فرصة للوصول إلى الجمهور. والسؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن صناعة الأبطال الحقيقيين في مجتمعنا؟
تتكرر المشاهد التي نرى فيها شخصيات تُصنع شهرتها بناءً على محتوى سطحي أو مواقف تافهة تحظى بانتشار واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. ربما يكمن السبب في السعي وراء عدد المشاهدات والإعجابات، التي أصبحت معيارًا جديدًا للنجاح.
وعلى الجانب الآخر، هناك شباب وشابات يمتلكون قدرات مذهلة في مجالات مختلفة، من العلوم والرياضة إلى الأدب والفنون، لكنهم لا يجدون المساحة المناسبة للظهور. وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُفترض أنها أداة لتمكين المواهب، تحولت في كثير من الأحيان إلى منصات تضخّم المحتوى السطحي على حساب المحتوى الإبداعي.
هل المشكلة في الإعلام التقليدي الذي يُفضل تسليط الضوء على ما يحقق الربح السريع؟ أم في وسائل التواصل الاجتماعي التي تُدار بخوارزميات تسهم في تعزيز المحتوى السطحي؟ أم أن الجمهور نفسه يتحمل جزءًا من المسؤولية؟
وسائل التواصل الاجتماعي تمتلك إمكانيات هائلة لدعم المواهب، لكنها بحاجة إلى استغلالها بشكل أفضل.
المستخدمون، المؤسسات الإعلامية، وحتى الشركات الكبرى يمكنهم المساهمة في إعادة تشكيل المشهد من خلال دعم صانعي المحتوى الذين يقدمون قيمة حقيقية.
يمكن للإعلام التقليدي أن يُخصص برامج ومبادرات تهدف إلى اكتشاف المواهب وتسليط الضوء عليها، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في الترويج للمواهب الحقيقية إذا تم استغلالها بوعي.
تجربة السعودية في دعم المواهب الناشئة عبر برامج مثل رؤية 2030 تعد نموذجًا مشجعًا. العديد من المبادرات الحكومية والخاصة قدمت للشباب السعودي فرصًا لإبراز مواهبهم من خلال منصات محلية وعالمية، ومع ذلك، يبقى التحدي في كيفية تحقيق توازن بين الترفيه ودعم الإبداع الحقيقي على جميع المنصات، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.
صناعة الأبطال ليست مجرد عملية تسويقية أو اقتصادية، بل هي مسؤولية أخلاقية تجاه المستقبل. نحن بحاجة إلى أبطال يثرون مجتمعنا بمعرفتهم وإبداعهم، لا مجرد أسماء تتصدر المشهد لفترة قصيرة ثم تتلاشى.
ماذا يمكننا أن نفعل لدعم هذه المواهب؟ هل نحتاج إلى تغيير شامل في مفهوم الشهرة والنجاح؟ أم أن الحل يكمن في استثمار الأفراد والإعلام والجهات المعنية في دعم الأبطال الحقيقيين؟
وسائل التواصل الاجتماعي ليست عدوًا، بل أداة قوية يجب استغلالها بذكاء، يمكننا جميعًا أن نكون جزءًا من الحل، سواء بمشاركة المحتوى الإيجابي أو بدعم الموهوبين الذين يحتاجون إلى دفعة صغيرة لتحقيق أحلامهم.
دعونا نعيد النظر في أولوياتنا الإعلامية والاجتماعية. الأبطال الحقيقيون بيننا، ولكنهم ينتظرون فقط فرصة ليبرزوا.