مها محمد الشريف
شهدت سوريا على مدار العقدين الماضيين سلسلة من الأحداث السياسية والعسكرية التي رسختها كساحة مفتوحة للتنافس الإقليمي والدولي، وأصبحت في حالة حرب وتهجير واختلاف عميق في قيمة الديموقراطية السياسية، وظل مفهوم الحالة الطبيعية طابعاً استبدادياً، حيث شكلت هذه الأحداث محطات مفصلية أدت في النهاية إلى تحول دراماتيكي في ميزان القوى داخل البلاد، ما ساهم في تسريع انهيار النظام السوري.
إن ما حدث من تحول كبير في سوريا لا يمسها فقط، فقد خرجت كل المليشيات التي دعمت النظام السابق لكي يبقى في السلطة، وهو ما يعني عودة سوريا لعمقها العربي، ويشير لبداية مرحلة من الاستقرار بالمنطقة لن تمر دون تحديات لكن النتيجة الحتمية عودة الأمن والاستقرار لأحد أهم الدول العربية.
فإذا أردنا أن نقف على الأسباب التي حدثت مؤخراً في الشرق الأوسط، لابد أن نحاول بناء الأحداث على ما تقدم، وإدخال عناصر فاعلة في الحسبان، حيث تتصاعد الجهود الدولية لحل الأزمة السورية والتي شهدت تدخلات إقليمية ودولية متعددة، إذ إن للحدث تأثيرات عميقة على موازين القوى في المنطقة والعالم.
ومهما تعددت الأسباب بين القوى الدولية والإقليمية، نجد أن كل الأصوات الصادقة تقف إلى جانب الشعب السوري وتسعى لتحقيق انتقال سياسي مستقر، وتبحث تعزيز النفوذ في الداخل السوري كفاعل أساسي في المشهد السياسي، وإخماد الأصوات النشاز التي تدعو إلى تقسيم سوريا.
رغم كل شيء نستطيع التأكيد على أنه حيثما وجد مجتمع يشكل وحدة سياسية سيكون هناك بالضرورة نظام يتجاوز الإرادة الفردية والتدخلات الخارجية الطامعة، وقد دعت الأوساط الرسمية العربية والدولية إلى التمسك بوحدتها وسلامة أراضيها وتجاهل دعاة التقسيم.
وفي تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أكد فيها أن الشعب السوري أمام فرصة تاريخية لبناء السلام في بلاده، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستسعى للتعاون مع الأطراف السورية لتأسيس مرحلة انتقالية تشهد تحولًا سياسيًا يحقق الاستقرار. وأوضح بايدن أن واشنطن ستقدم دعمها الكامل للدول المجاورة لسوريا خلال الفترة الانتقالية، في إطار تعزيز الأمن الإقليمي وضمان استقرار المنطقة التي تشهد تقلبات مستمرة.
إذن، غاية السياسة هي تجاوز العداوة والخلاف الذي يتولد باستمرار من خلال الأحداث والثورات، فهل يأتي اليوم الذي تتوصل فيه السياسة إلى هذه الغاية؟، ويزول الصراع ويتلاشى، وتقود إلى نتائج متوقعة عندما تستقر مؤسسات الدولة سياسيا، ويفعّل النظام الجديد نشاطه، فالشعب السوري عانى الكثير من ويلات الانقسام وعقوبات السجون من النظام السابق، لذا تجاربهم الطويلة أكسبتهم مزيداً من الحذر والحكمة، و لم يصلوا إلى أسوار دمشق إلا بعد سنوات تكبدوا خلالها خسائر بشرية ومادية كبيرة.